“وباء السياسة” أشد فتكاً باليمنيين من فيروس كورونا

يمن بوست/ تقارير

“أهم شيء هم بخير، وعائشين في نعمة، بعيداً عن هذا الشعب وما فيه. ومن هم في الداخل يأكلوا ويشربوا على حساب معاناتنا.. اليوم كورونا وأمس الكوليرا وحمى الضنك وأمراض أخرى حولوها لمشاريع يستفيدوا منها، ونحن علينا أن نعاني ونموت”.
بنبرة حزينة يعبّر جميل القدسي، وهو موظف حكومي نازح، عن مدى سخطه من التفاعل الهزيل مع أزمة تفشي فيروس كورونا، من السلطات المسيطرة على الوضع في البلاد، قائلاً: “نشعر بالخذلان. نحن وحدنا في دوّامة الصراعات التي اصطنعوها، وفي ساحة المواجهة مع الأوبئة التي نتجت عن ذلك”.
وبالسخط نفسه، تعبر اليمنية منى الزبير، عن رأيها بالقول: “لا نعني لهم شيئاً، إنهم يثيرون الشفقة بتصرفاتهم الصبيانية؛ يتعاملون مع كل أزمة كأنها مزاد فُتح للتو، فيتسابقون للفوز بها، كما فعلوا في الأزمات السابقة، يفعلون اليوم مع أزمة كورونا”.
قناعة وصلت إليها الزبير بعد توقعها ردة فعل حقيقية من المعنيين بالملف الصحي في اليمن، لكنها صُدمت بأن المواقف السياسية هي التي تتحكم بكافة الملفات، كما تقول، وهو حكم سرى على أزمة تفشي فيروس كورونا، معتبرة ذلك انتكاسة للقيادات السياسية، ونقطة سوداء تضاف لسلسلة المواقف المخيبة لآمال وتطلعات اليمنيين.
ويثير ملف فيروس كورونا الآخذ في الانتشار، سخط اليمنيين بشكل واسع، إذ تتعامل السلطات المعنية بالأمر في كل من صنعاء وعدن، مع الملف، بتساهل يعرّض حياة الملايين لخطر الإصابة بالفيروس، ولا اعتبار للملف الصحي دون الدخول في حسابات سياسية وعسكرية تقتضيها ساحات المواجهة على امتداد البلاد، سواء من الحكومة اليمنية أو جماعة الحوثي، وحتى المجلس الانتقالي الجنوبي.

“وضعٌ لا يُطاق”

تتحدث التقارير الأممية عن وضع مختلف فرضه فيروس كورونا في اليمن. فبالإضافة إلى النقص الشديد في الإمكانيات الصحية والأدوات الطبية ومستلزمات الوقاية والسلامة، فاليمن يُعد الأعلى من حيث معدلات الوفيات مقارنة بعدد الإصابات، من بين دول العالم.
الدكتور علي زبيدي، باحث وناقد، يعيد الوضع القائم إلى فهم البعض للعمل السياسي أنه عمل تناكفي قائم على اختلاف الأفكار من الجذور، لا أنه تنافس برامجي، يخدم المحيط الذي ينشأ فيه. وبناء على هذا التصور كانت مواجهة الأزمات العاصفة، التي جعلت بعض المكونات تستغلها للكيد بالآخر، وتسجيل نقاط في مرمى شعب يعاني الويلات من الحروب، ويعاني الفقر، والجوع، والمرض.
وبكل أسف يضيف زبيدي: “تعرينا إلى درجة لا تطاق، ولا تتصور، لأن الوضع أثبت أن الدول الضعيفة على سبيل المثال استطاعت أن تثبت حرصها على مواطنيها، أما نحن فدخلت المسألة رهاناً آخر”.

الباحث علي الزبيدي :منذ الوهلة الأولى لظهور كورونا، كيف وظف العالم كل الإمكانيات لمواجهته، نحن فقط وظفناه لمآرب أخرى، بداية من التكتم، وانتهاءً بهذا الإهمال الذي يحصد أرواح الناس قبل كورونا نفسه.

ويعتقد أن وقوع الحكومة في كماشة، لا يعفيها من الواجب، وكذلك حكومة صنعاء، طالما أنها استولت على الحكم، فعليها أن تكون جديرة بهذا الموقف، فتحفظ حقوق الناس، ولا تستخف بحياتهم.
ويبدو جلياً منذ الوهلة الأولى لظهور كورونا، كيف وظف العالم كل الإمكانيات لمواجهته، كما يشير زبيدي، مفسراً حال بلاده بالقول: “نحن فقط وظفناه لمآرب أخرى، بداية من التكتم، وانتهاءً بهذا الإهمال الذي يحصد أرواح الناس قبل كورونا نفسه”.

تجاهل مأساة السكان

لم تشهد ساحة المواجهات العسكرية في اليمن، توقفاً، على الرغم من الهدنة المعلنة بين الحكومة اليمنية والتحالف العربي من جهة، وجماعة الحوثي من جهة أخرى، بل احتدمت المواجهات في كل من نهم وصرواح والبيضاء، واندلعت اشتباكات متقطعة بين قوات تابعة للحكومة وأخرى تتبع المجلس الانتقالي، في أبين (جنوب اليمن)، وهو ما يعني لليمنيين تجاهلاً واضحاً للحالة الصحية التي فرضها فيروس كورونا في البلاد، ومدى تجاوب أطراف الصراع مع ذلك.
“نحن نواجه أزمة أخلاقية كبيرة جداً، تتمثل في إصرار الأطراف السياسية والمتحاربة على تجاهل مصلحة المواطنين حتى في زمان جائحة عالمية نواجهها بنظام صحي متهالك”. هذا ما توصّل إليه فؤاد راجح، صحفي يمني.
وربط راجح بين الإعلان عن الإصابات بفيروس كورونا في اليمن، وإعلان المجلس الانتقالي الجنوبي عن الإدارة الذاتية للجنوب، مستشهداً بأن الإعلان عن الإصابات في البلاد جاء بعد الخطوة التي أقدم عليها “الانتقالي” بيوم واحد. ويرى في ذلك إشارة واضحة إلى توظيف الملف بشكل سياسي.

النظام اليمن الصحي متهالك، حتى إن الأطقم الطبية لا تجد السترات الواقية، والناس تموت خارج المستشفيات بدون فحص، وهو ما يعني، كما يقول، انهيارَ الجزء البسيط الذي مايزال بخير من هذا النظام الصحي.

ويدلل على ما يعتقده بالقول: “باحثون وصحفيون غربيون تمولهم الإمارات، بدأوا يروجون أن كورونا سيساعد في إنهاء الحرب في اليمن، في إشارة أخرى إلى أن التوظيف السياسي لكورونا والأزمة الصحية مدعوم خارجياً”.
واتجهت الحكومة إلى مواجهات عسكرية في أبين، مع المجلس الانتقالي، في ظل أزمة تفشي الفيروس، وإصابة العشرات به في العاصمة المؤقتة عدن الخاضعة واقعياً لسيطرة “الانتقالي”.
وهو ما يعكس تبايناً أخلاقياً وتوظيفاً سلبياً للوضع الصحي المتردي، بحسب راجح.
أبعاد ذلك على النظام الصحي كارثية؛ فنظام اليمن الصحي متهالك، حتى إن الأطقم الطبية لا تجد السترات الواقية، والناس تموت خارج المستشفيات بدون فحص، وهو ما يعني، كما يقول، انهيارَ الجزء البسيط الذي مايزال بخير من هذا النظام الصحي.

أولوية للصراع

لم يُعر طرف من الأطراف المسيطرة على الوضع في اليمن، اهتماماً حقيقياً، في ظل التداعيات الأولية ومؤشرات الإصابة التي ظهرت في كل من صنعاء وعدن، وظل الصمت سيد الموقف قولاً وعملاً، وهو ما مهّد للفيروس بيئة مثالية للانتشار والتوسع دون أية ردة فعل من المعنيين.
يذهب الباحث السياسي علي العبسي، إلى أن جميع الأطراف السياسية غارقة في الصراع القائم بينها، وتعطي للمعركة القائمة والمستمرة منذ أكثر من 5 سنوات، الأولوية المطلقة.
وهو ما أدى إلى تراجع كل الملفات والقضايا الأخرى في سلم اهتماماتها، ويقوم ذلك على رؤيتها للمعركة على أنها معركة صفرية. معركة حياة أو موت، فهي إما تفوز وتحصل على كل شيء، أو لا شيء، حسبما يرى العبسي.
وبالتالي لا اهتمام لديها بالبحث في تفاصيل أخرى متعلقة بحياة المواطنين ومعاناتهم. كما يرى في انقطاع الرواتب منذ نحو 4 سنوات، دلالة على عدم اكتراث جميع الأطراف بحياة الناس.
ويضيف العبسي تأتي أزمة كورونا في السياق نفسه، فلا جدية لدى أي طرف في التعامل مع الأزمة، وهناك جهود إما فردية من موظفي الدولة أو حتى من ممثلي منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، أكثر فاعلية من جميع إجراءات أطراف الصراع”.
ويرى، بصورة أخرى، أن طبيعة تكوين أطراف الصراع في اليمن أسهمت في عدم جديتهم للتعامل مع ملف أزمة كورونا. فالحوثيون والمجلس الانتقالي الجنوبي عبارة عن جماعات تحكم بعقلية المسيطر، وليس بعقلية المسؤول، والحكومة لا تملك نفوذاً حقيقياً في أغلب مناطق ومحافظات اليمن، وتعاني من الأنانية المفرطة وإعلاء المصالح الشخصية لأفرادها على حساب واجباتها في رعاية مصالح المواطنين، وفق ما يقول.

غياب التنسيق بين عدن وصنعاء

وبالنظر إلى الخارطة اليمنية والتجاذبات السياسية المصحوبة بالمواجهات العسكرية، فإن كل طرف ينأى بنفسه عن مسؤولية مواجهة الفيروس، وهو سبب كافٍ للتزايد الحاصل في الإصابات، والانتشار المتسارع لكورونا في عدد من المحافظات.
غياب التنسيق بين السلطات المختلفة في البلاد، حول الإجراءات والبيانات والمعلومات الخاصة بالفيروس، إضافة إلى غياب الثقة بين الأطراف لمواجهة الوباء، يشكل التحدي الأبرز لدى اليمنيين، بالنسبة للناشط الحقوقي براء شيبان.
ويضيف شيبان: “الدول المتقدمة وعبر سلطاتها المتعددة شكلت غرف عمليات تمدها بتقارير يومية حول الوباء، وإذا ما عكسنا ذلك على اليمن، فإنه لا توجد هناك سلطة واحدة تقدم بيانات واضحة، وتفرض إجراءات معينة على المواطنين، مع انعدام أدنى مستويات الرقابة؛ بسبب النزاع المسلح الذي يستنفد جميع الموارد.
ومواجهة وباء كورونا تحتاج إلى تنسيق عالي المستوى، وتركيز كل موارد الدولة، ووضع خطة موحدة لمواجهة الفيروس.
ويرى شيبان أن آلية التعامل مع الموقف مبنية على انتظار كل طرف للدعم الذي ستقدمه المنظمات الدولية، سواء الحكومة أو جماعة الحوثي، مما أضعف قدرة القطاع الصحي في التعامل مع الأزمة التي أنتجها الفيروس، وهو معطّل بالأساس في ظل الحرب التي تشهدها البلاد.
هكذا يبقى اليمنيون معلّقين بين حكم السياسة الذي يلقي بظلاله على كل شيء في البلاد، وبين الأوبئة التي تفتك بهم دون أي اهتمام ملموس من السلطات المسيطرة على الوضع في مختلف المحافظات، مما يجعل ملايين اليمنيين لقمة سائغة لفيروس كورونا، الذي يمارس مهامه دون اعتبار للأوضاع المختلفة في اليمن.
أمر كهذا يجعل من التدخل الأممي والدولي ضرورة حتمية؛ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في بلد تحكمه جماعات الحرب، وتستوطن الأوبئة في أجساد سكانه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *