المسابح… تجارة رمضانية رابحة
يمن بوست/ تقارير
صنعاء – حسان محمد:
بقدمين حافيتين وثوب بالٍ، تقطع نادية (14 عاماً) شوارع صنعاء، حاملة بيدها مجموعة من المسابح التي تعرضها على أصحاب المحلات، وسائقي السيارات الذين يتوقفون على جانبي الطريق، وتحاول بإلحاح إقناعهم بالشراء منها، لتعود إلى منزلها ولو باليسير من النقود.
لا تيأس نادية من رفض الكثيرين الشراء، فعلى الرغم من سنها الصغيرة، تعلمت من الحياة ألا تتوقف أو تحبط مهما كان عدد مرات الفشل، ولا بد أن تنجح المحاولات.
حياة قاسية
لم تعرف نادية حياة الطفولة واللعب، وبدأت الكفاح والكد منذ 6 سنوات بعد وفاة والدها الذي كان يعمل في مجال البناء، وتركها وأمها وأختين أصغر منها، وحيدات وسط الفقر والجوع، ولم يجدن إلا الشارع ملاذاً للبقاء على قيد الحياة.
واضطرت والدة نادية إلى التسول للحصول على ما يسد رمق الأسرة، ويوفر لها المتطلبات الأساسية للعيش، لكن نادية لم تحب مهنة التسول، ولديها رغبة كبيرة في كسب رزقها بعرق جبينها من عمل شريف، فاتجهت خلال شهر رمضان إلى بيع المسابح.
تقول لـ”المشاهد”: “المسابح من الأشياء المطلوبة خلال شهر رمضان المبارك، أكثر من بقية الشهور، ولهذا قررت خوض هذه التجربة، مع أن هناك أناساً طيبين يقدمون المال كمساعدة، وليس بهدف الشراء”.
تعتقد أنها لو كانت غنية لم تكن لتجادل مثل كثير من الناس لتخفيض 10 ريالات أو مبلغ صغير لفتاة أو شخص فقير يكد طول اليوم للحصول على ربح لا يشبع ولا يغني من جوع.
روحانية وأساطير
السبحة أو المِسبحة قلادة مكونة من مجموعة من الحبات “الخرز” مثقوبة يجمعها خيط يمر من خلال ثقوبها، لتشكل حلقة تجمع نهايتي الخيط، وتصنع من مواد مختلفة كاللؤلؤ والعنبر واليسر والكهرمان وبذور النباتات وخشب الورد والخشب والعاج والعظام والقرون والأحجار الكريمة والخزف والبلاستيك والزجاج، وخشب الصندل والأحجار الكريمة والمعادن.
ارتبط تاريخ السبحة بالأساطير والمظاهر الروحانية، كون الأحجار الكريمة المصنوعة منها تتصف بالديمومة والقوة، وجعلت خيال الإنسان يربطها بطقوس مرتبطة بالسحر والمعتقدات الروحية، ويخلق منها صفات أسطورية تتعلق بالخرافات الشائعة آنذاك.
ويرى محمد أبو غوش، في كتاب حول الأحجار الكريمة وتاريخ السبحة، أنه يمكن القول والافتراض أن فكرة السبحة بدأت عند السومريين قبل 5000 سنة، وانتقلت إلى بقية الحضارات الأخرى كالفرعونية والهندية والفارسية، وغير ذلك من الحضارات اللاحقة، معتبراً أن المسبحة تطور طبيعي وحتمي من فكرة القلادة، لكن من الصعب التحديد الدقيق للزمن الذي تحول استخدام القلادة كسبحة للأغراض الدينية.
وارتبط تاريخ السبحة بالأساطير والمظاهر الروحانية، كون الأحجار الكريمة المصنوعة منها تتصف بالديمومة والقوة، وجعلت خيال الإنسان يربطها بطقوس مرتبطة بالسحر والمعتقدات الروحية، ويخلق منها صفات أسطورية تتعلق بالخرافات الشائعة آنذاك، مما أثر بوضوح على الاهتمام بتلك الأحجار كل أمة حسب معتقداتها وإيمانها بالخرافات والأساطير.
وارتبط استخدام الإنسان القلائد الدينية بتفسيرات وأسباب متعلقة بالمعتقدات الطبية الخرافية القديمة، وبالشعائر المتوارثة التي لها علاقة بالعد والحساب، ومنها عد الصلوات والتأمل الديني.
واستخدمت المسبحة تاريخياً لأغراض مختلفة كتميمة أو تعويذه أو غير ذلك، وآمن البعض بقدسيّتها، حتى إنّ من الشعوب القديمة من كانوا يغسلون السبحة التي يحملونها بالماء، ويشربونه كدواء، كما يؤكد الدكتور صلاح الراوي، في كتاب “مقدمة في دراسة التراث الشعبي”.
ويوضح الراوي أنّ السبحة أداة معروفة منذ عصور ما قبل التاريخ، وكانت تصنع من نوى البلح وبذور نبات الخروب، وخشب شجر الزيتون والقواقع والأبانوس والصندل.
تجارة موسمية
يحرص الناس على اقتناء المسبحة أو السبحة خلال شهر رمضان، لتعينهم على التسبيح والذكر، وخلق جو من العبادة يتناسب مع روحانية الشهر الكريم، وهذا ما دفع فواز الحيمي إلى التوقف عن بيع الملابس المستعملة التي يجوب بها شوارع صنعاء طوال العام، واستبدالها بالمسابح.
السبحة : ظهراً للتدين والتصوف والذكر والتسبيح والتهليل، والتهدئة النفسية، وأحياناً للوقار والوجاهة، وأغراض أخرى مختلفة، واختلفت المواد المصنوعة منها عبر القرون، حتى بلغت في التنوع ما لا يكاد يُحصر، إلا أنها ظلت مقترنة باسم الدين رغم استخداماتها المختلفة، وتباين الحكم في مشروعيتها.
قبل الغروب، كان الحيمي يسير في شارع المطار شمال العاصمة صنعاء، وعشرات المسابح المعلقة بشماعة ملابس تتدلى على صدره، وهو ينادي الناس للشراء، ويعرض بضاعته لكل من يمر بالقرب منه.
ويتفق مع نادية بأن شهر رمضان موسم لبيع المسابح، ويزيد إقبال الناس على شرائها. ويقول لـ”المشاهد”: “تتفاوت المبيعات بين يوم وآخر، وتختلف أسعارها، وما أكسبه من بيعها، لكن في عملي لا أحسب الربح والخسارة، وما كتبه الله من رزق آخذه وأقتنع به، ولو كنت أحسب العوائد لتوقفت عن العمل، وأصبت بحالة نفسية”.
ويؤكد أن خوف الناس من كورونا جعل إقبالهم على الشراء أقل من رمضان في الأعوام السابقة.
مظهر للتدين
ومثّلت المسبحة لكثير من الثقافات مظهراً للتدين والتصوف والذكر والتسبيح والتهليل، والتهدئة النفسية، وأحياناً للوقار والوجاهة، وأغراض أخرى مختلفة، واختلفت المواد المصنوعة منها عبر القرون، حتى بلغت في التنوع ما لا يكاد يُحصر، إلا أنها ظلت مقترنة باسم الدين رغم استخداماتها المختلفة، وتباين الحكم في مشروعيتها.
وعلى الرغم من أن المسبحة استطاعت عبور رحلة زمنية طويلة عبر الديانات المختلفة الوثنية والسماوية لآلاف السنين، لكنه لم يمارس عليها أي نوع من الرفض أو الازدراء كحال بقية الأشياء التي ينكرها بعض المتدينين في المعتقدات المختلفة، وتنافس على حملها المتدينون من الديانات المختلفة، لتكون من أبرز علامات التقوى والتدين، ولم ينكروا استخدامها لارتباطها بديانات أخرى، أو خوفاً من التشبه بأصحابها.