التحذير الإسرائيلي الأخير دون تنفيذ.. تخادم مع الحوثي أم رسائل لصفقة تبادل الأسرى؟

أطلق الناطق الرسمي باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، مساء الأحد 11 مايو، تحذيرًا عاجلًا إلى جميع المتواجدين في الموانئ البحرية الواقعة تحت سيطرة ميليشيا الحوثي الإرهابية، محذرًا من استخدامها في أنشطة عسكرية، داعيًا إلى إخلائها الفوري.
وشمل التحذير ثلاث موانئ رئيسية هي: رأس عيسى، والحديدة، والصليف.
وجاء في التحذير الذي نُشر عبر حسابات أدرعي الرسمية:
“نظرًا لقيام النظام الحوثي الإرهابي باستخدام الموانئ البحرية لصالح أنشطته الإرهابية، نحث جميع المتواجدين في هذه الموانئ على ضرورة إخلائها والابتعاد عنها للحفاظ على سلامتكم، وذلك حتى إشعار آخر.”
ورغم اللهجة الشديدة التي حملها البيان، والتي أعادت إلى الأذهان تحذيرًا مشابهًا أطلقه أدرعي يوم الثلاثاء 6 مايو ضد مطار صنعاء الدولي، والذي أعقبه قصف إسرائيلي مباشر أخرج المطار عن الجاهزية، لم تنفذ إسرائيل أي ضربات جوية على موانئ الحديدة حتى لحظة إعداد هذا التقرير، رغم التوقعات بأن الضربة ستقع خلال 40 دقيقة من التحذير.
تخادم أم تفاهمات إقليمية؟
رغم أن الحوثيين يرفعون شعار “الموت لإسرائيل” ويصنفون أنفسهم كجزء من محور المقاومة، فإن الوقائع الميدانية أحيانًا تثير الشكوك حول هذا الخطاب، لا توجد أدلة مباشرة أمام العيان على تخادم علني بين الطرفين، لكن هناك مؤشرات تستحق تثبت التخادم بينهما.
الامتناع الإسرائيلي عن قصف موانئ الحديدة، رغم التحذير العلني، أتاح للحوثيين وقتًا إضافيًا لتفريغ الموانئ من الوقود، ونقل المعدات العسكرية ومنصات الصواريخ البالستية، وهو ما يصب في مصلحتهم مباشرة، خاصة بعد أزمة الوقود التي خلّفتها الضربات الأمريكية.
التحذيرات الإسرائيلية المتكررة التي لا يتبعها تنفيذ فوري تؤكد فكرة “التخادم غير المباشر”، كأن تكون إسرائيل تسعى لبناء صورة “الردع” دون الحاجة للدخول في مواجهة مباشرة مع الحوثيين، الذين يُعدّون حاليًا أداة استنزاف فعالة لإيران في البحر الأحمر ضد خصوم مشتركين مثل أمريكا.
إسرائيل تعلم أن ضرب الحوثيين بقوة قد يعزز شعبيتهم في الداخل اليمني أو يعيد توحيد الجبهات ضد “عدو خارجي”، وهو ما لا يصب في مصلحة إسرائيل على المدى البعيد، وربما تدير الملف من زاوية “الاحتواء” لا “الاستئصال”، ولذلك تعمل على هذا المبدأ وتضرب مواقع وبنية تحتية يمنية لا الحوثيين انفسهم.
إرجاء الضربة
هذا الاحتمال قائم بقوة، خاصة أن توقيت التحذير الإسرائيلي تزامن مع الإفراج عن الرهينة الإسرائيلي- الأمريكية،عيدان ألكسندر، وهي خطوة حساسة في الحسابات السياسية والأمنية الإسرائيلية.
ملف الأسرى لدى حماس مرتبط بوساطات إقليمية معقدة، غالبًا بوساطة قطرية أو مصرية، وبتنسيق غير مباشر مع واشنطن، بالتالي، أي تصعيد إسرائيلي مفرط ضد وكلاء إيران في اليمن قد يُفسر كإفشال لتلك الجهود.
إسرائيل حريصة على تمرير صورة “الصفقات الهادئة” التي تحقق مكاسب دون تكاليف عسكرية باهظة، وبالتالي عند ضرب الموانئ المنية، سيكون العالم منشغل مع صفقة الرهينة وبالتالي الضربة لن تأخذ التغطية الإعلامية كما يجب أن يخطط لها الحوثي وإسرائيل.
التحذير جزء من حرب نفسية معتادة، تستهدف إخافة العاملين في الموانئ، وخلق ارتباك لوجستي وتعطيل عمليات التفريغ والإمداد، دون الدخول في مواجهة عسكرية مكلفة.
إسرائيل، مثل أمريكا، تدرك أن الموانئ تمثل “شريانًا اقتصاديًا” للحوثيين، وضربها يحتاج إلى غطاء سياسي وقانوني أكبر، خاصة أن المجتمع الدولي يعتبر الموانئ جزءًا من البنية التحتية الإنسانية في بلد يعاني من أزمة إنسانية.
الحوثي بدأ إدخال الوقود وإعادة بناء الموانئ بهدوء، مما يشير إلى أن التحذير الإسرائيلي قد خدم هدفًا إعلاميًا بحتًا، مع إعطاء الوقت للحوثي لترتيب أوراقه.
غياب الرد الإسرائيلي الفوري بعد التحذير العلني يفتح الباب أمام احتمالات متعددة، أبرزها وجود تفاهمات أمنية غير معلنة، أو محاولة لتجنب تصعيد إقليمي في ظل حساسية ملف تبادل الأسرى والتقارب الظرفي بين بعض القوى الفاعلة. ومع ذلك، فإن الموانئ التي باتت مركزًا حيويًا للحوثيين في ظل الحصار البحري، ستظل تحت الرقابة المباشرة، سواء من الطائرات الأمريكية أو الإسرائيلية، وهو ما يجعل الساحة اليمنية مفتوحة على تصعيد غير متوقع في أي لحظة.