حرية الصحافة في اليمن… حبرٌ على ورق

يمن بوست/ تقارير 

محمد علي محروس: 

رفعُ تلفونك المحمول لالتقاط صورة في صنعاء، قد يعرضك لما هو أبعد من السؤال والمنع، تمامًا كما حدث مع الصحفي “ع.ع” الذي وجد نفسه رهن الاعتقال لمجرد رفعه تلفونه من أجل التقاط صورة لمبنى إحدى الشركات الحكومية، لتقريره الصحفي الذي أعده حولها.

ثلاثة أشخاص أحاطوا به، وبعد المنع تناوبوا عليه بأسئلة مستفزة وأخرى تتهمه بالعمالة والخيانة ورصد الإحداثيات، ليُنقل بعدها إلى مبنى أحد الأجهزة الاستخباراتية، حيث صُدم هناك بالعديد من الإجراءات التي وصفها بالتعسفية، وزادوا على ذلك بالقول: نحن نراقب تحركاتك وحتى هاتفك، أنت تحت أعيننا، ومتى ما نريدك سنأتي بك، كما يروي لـ”المشاهد”.

ويقول: “ضيقوا علينا الخناق، لا نستطيع العمل كصحفيين حاملين قيمة الصحافة ومهنيتها، يريدوننا أن نكون معهم فقط، لا تنقل أو تغطِّ شيئًا قد لا يروق لهم، ولا يتماشى مع ما يريدونه”.

التحريض ضد الصحفيين

بنسب متفاوتة، تتشابه مجمل المدن اليمنية في تعاملها مع الصحفيين القاطنين فيها، فالأطراف المتشبثة بالحالة الراهنة للوضع اليمني، تنظر للصحافة والصحفيين كسلاح ذي حدين، إمّا أن يكونوا معهم، أو يتم التعامل معهم كأهداف مشروعة كونهم أعداء، وهناك من عبّر عن ذلك صراحة في خطاب رسمي، محرضًا أنصاره على البدء بهم قبل النيل من خصمهم في ميدان المواجهة العسكرية، تمامًا كما فعل عبدالملك الحوثي، زعيم جماعة الحوثي، في أحد خطاباته.

يعيش الصحفي “ظ.ش” الحالة ذاتها في كل من صنعاء وعدن، إذ يغلب عليه التوجس والارتياب كلما حل فيهما، على الرغم من عمله مع وكالة أجنبية تراعي حساسية المشهد اليمني، وتتجنب الخوض في التفاصيل المتعلقة بأطراف الصراع.

يقيّم “ظ.ش” المخاطر التي قد يتعرض لها عند أية تغطية صحفية، هذا شيءٌ ملزمٌ بترتيبه قبل النزول إلى الميدان، لكنه كما يقول لـ”المشاهد”: “لا يخلو من سؤال تتبع من، وردة الفعل مبنية على الإجابة التي ستجيبها، فالمنطقة التي يسيطر عليها الطرف المرحِّب بك، سيستقبلك بحفاوة، والعكس بالنسبة للطرف الآخر، وهكذا تدور الأمور من محافظة إلى أخرى، وفق خارطة السيطرة العسكرية لا أكثر. لذا نحن لا نعمل بما يتعارض مع الطرف المسيطر على المناطق التي نتواجد فيها، وهو ما يُعد تحجيمًا وتقييدًا للأداء الصحفي برمته، حيث يطغى اللون الواحد”.

في السياق، أصدر مكتب الإعلام بالعاصمة المؤقتة عدن، أمس الأحد، تعميمًا يُلزم وسائل الإعلام بضرورة استصدار تراخيص لمزاولة عملها خلال مدة أقصاها أسبوعان، وهو ما اعتبره صحفيون تقييدًا ممنه جًا للعمل الصحفي في عدن.

112 انتهاكًا العام الماضي

رصدت نقابة الصحفيين اليمنيين، 112 حالة انتهاك بحق الصحفيين في اليمن، خلال العام 2020. وفي تقرير صدر مطلع يناير الماضي، فإن الانتهاكات تنوعت بين الاختطافات والاعتقالات بـ33 حالة، والتهديد والتحريض على الصحفيين (22 حالة)، والمنع والمصادرة (13)، والمحاكمات والتحقيقات (10)، والإيقاف عن العمل (10)، والتعذيب (7)، و6 حالات اعتداء، و3 حالات قتل.

الانتهاكات بحق الصحافة في اليمن ليست حكرًا على الرجال دون النساء، فالمنتهِكون لا يفرقون بين الجنسين عند الاستهداف، بل في أحيان كثيرة يكون استهداف المرأة مبطنًا بنكران عملها في هذه المهنة التي يحاول البعض قصرها على الرجل، معلّلين ذلك بما يترتب عليها من مخاطر لا حمل للمرأة بها، كما يقولون.

وتوصل التقرير إلى أن الحكومة اليمنية بتشكيلاتها وهيئاتها المختلفة، مسؤولة عن 50 حالة انتهاك، فيما ارتكبت جماعة الحوثي 33 حالة، ونسب 13 حالة لمجهولين، والمجلس الانتقالي الجنوبي 12 حالة، فيما ارتكبت وسيلة إعلامية خاصة 3 حالات، وحالة واحدة ارتكبها فصيل في المقاومة الشعبية.

خلال السنوات السبع الماضية، كانت هناك أكثر من 1300 حالة انتهاك مختلفة من كافة أنماط الانتهاكات، وفق تصريح نبيل الأسيدي، عضو مجلس نقابة الصحفيين اليمنيين، إضافة إلى 46 صحفيًا ومصورًا قُتلوا خلال فترة الحرب، وأكثر من 350 حالة اختطاف للصحفيين خلال فترات مختلفة.

ويحمل الأسيدي جماعة الحوثي 70% من الانتهاكات، و30% تفاوتت بين المجلس الانتقالي الجنوبي، والجماعات المسلحة في تعز، والسلطات المحلية في كل من حضرموت ومأرب وشبوة، وقوات المقاومة الوطنية في الساحل الغربي، والقوات السعودية، حسب قوله لـ”المشاهد”.

ويعتبر ما يحدث للصحافة اليمنية هو الأسوأ في تاريخها، ويعده جريمة مخيفة ومفزعة في حق الإنسانية، مؤكدًا عدم قدرة النقابة على فعل شيء؛ بسبب الوضع الراهن، إذ من الصعب التعامل مع ما وصفها بتشكيلات مسلحة، ودولة في حالة ضعف.

الانتهاكات بحق الصحافة في اليمن ليست حكرًا على الرجال دون النساء، فالمنتهِكون لا يفرقون بين الجنسين عند الاستهداف، بل في أحيان كثيرة يكون استهداف المرأة مبطنًا بنكران عملها في هذه المهنة التي يحاول البعض قصرها على الرجل، معلّلين ذلك بما يترتب عليها من مخاطر لا حمل للمرأة بها، كما يقولون.

وترى الصحفية صفية مهدي أن حال حرية الصحافة في اليمن لا تخفى على أحد، إذ تتعدد الاستهدافات والصعوبات، مؤكدة أن الصحفيات يواجهن نوعين من الانتهاكات؛ الأول مباشر كما يحصل هنا أو هناك من مضايقات، والآخر غير مباشر نتيجة الوضع الأمني غير المستقر، والظروف السياسية والاقتصادية، التي تحد من عمل الصحافية أو قدرتها على التنقل والتحرك أو النشر بحرية. وتقول إن جميع الأطراف مسؤولة عن تلك الانتهاكات.

ملاحقات مستمرة

لم تكن الانتهاكات المرصودة والواضحة وحدها في صدارة المشهد الصحفي، فهناك خسائر أخرى لها ارتباطاتها النفسية والذهنية على الصحفيين، وبالتالي انعكست سلبًا على وضعهم المهني والمعيشي، وضيقت عليهم أثناء القيام بأعمالهم الصحفية.

“أنا أحد الصحفيين الذين خسروا كثيرًا، خسرنا الأمن، خسرنا حريتنا، خسرنا مساحة الحرية المتاحة التي كنا نتحرك عبرها ونكتب ونعمل، والصحافة بمجملها طالها ما طال هذه البلاد من استهداف ممنهج، ومن استقطاب حاد بين الصحفيين”، يقول الدكتور محمد القاضي، مراسل وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية في اليمن. ويضيف لـ”المشاهد”: تحولت الحرب إلى أداة من أدوات الحرب، وهذا أفقدها جوهرها، إذ يُفترض أن تتمتع بالمصداقية والموضوعية، لا أن تكون جزءًا من ماكينة الحرب، وهو ما ترتب عليه معاناة كبيرة لبعض العاملين في هذه المهنة”.

الدكتور القاضي، قاسى من مرارة الحرمان والغياب عن أسرته، والتنقل في وضع أمني مخيف، ومحاولة التخفي أثناء ذلك، كما يقول. احتياجات شتى سيفرضها هذا الوضع بعد الحرب على الصحافة، منها إعادة التأهيل والتدريب للصحفيين، وبناء قيم أخلاقية بعيدًا عن الحرب وما نجم عنها في ظل جيل صحفي جديد لا يعرف إلا لغة الحرب والاستقطابات الحاصلة.

ويسلط مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، ومرصد الحريات الإعلامية، الضوء على حرية الصحافة في اليمن، بحملة تحمل هاشتاج #الصحفي ليسعدوًا، تستمر حتى الثالث من مايو الجاري، متناولة وضع حرية الصحافة وما لحق بالصحفيين منذ اندلاع الحرب.

نقلآ عن موقع المشاهد نت 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *