شاعر اليمن الراحل عبدالله البردوني يتحدث عن الرئيس الراحل المشير عبدالله السلال
يمن بوست/ ميديا
كان السلال نقي الصفحة أمام الجيش وأمام الشعب، فلم يستغل منصبه العسكري ولا استغل منصبه الإداري على ميناء الحديدة، ولا تسبب في الإضرار بأحد مهما كان مناوئا للعهد، ولا أوصلته مناصبه ورتبته إلى حدود الإثراء، على حين كان يثرى سواه من مناصب أدنى، إلى جانب هذا تجلت له مواقف بطولية وشعبية..
عندما أناط به (القصر) مهمة سحق الطلاب المتظاهرين في يونيو عام 1962، أبدى تعاطفا مع الطلاب إلى حد اتهام الحاشية إياه بالتواطؤ.
بهذا تبدى صواب اختيار (السلال)، كما تجلت ثوريته في سرعة استجابته إيان الاضطرار إليه لأنه من الشرائح الشعبية المقهورة، مع أن الضباط كانوا يتوقعون وقوفه إلى جانب (القصر).
فكانت استجابة السلال لتحمل عبء قيادة الثورة في ذلك الظرف العصيب، منسجمة مع انتمائه الشعبي، لأنه من غمار الفقراء: تعلم في مدرسة الأيتام مع أبناء الفقراء، والتحق بالكلية الحربية العراقية في منتصف الثلاثينات، وبعد تخرجه شارك في الانقلاب الدستوري عام 1948م، واستضافه سجن حجة عام 1948 إلى 1955، ثم شغل عدة مناصب مدة سبع سنوات، فقاد الثورة وعلى ظهره ثلاثة وخمسون عاما من التجارب المريرة.
ظلت الجمهورية الأولى تكابد فترة الانتقال، بحكم مغايرتها للحكم الملكي ومحاولة تجذير العهد الجديد في ظل القتال..
وكان رئيس الجمهورية (عبدالله السلال) رغم كثرة أسفاره هو الرأس الثابت.. وعلى طول اختباره يواجه تجربة جديدة أكبر من طاقته وطاقة أمثاله، حتى قال: “هذه معجزة ليست ثورة”.. ومع هذا يبدو إلى كل الضباط مقنعا، لأنه عسكري من طراز ممتاز وشعبي السلوك وأكثر زملائه ثقافة.
لقد خاضت الجمهورية الأولى معركة السلاح ومعركة الأكاذيب، لأنها جديدة تؤسس لعهد جديد.. وكان الرئيس السلال بوفرة تجاربه العسكرية والشعبية يعرف سوء الذي كان، وصعوبة الذي سيكون، فبذل جهده في مغايرة العهد الجديد..
وكانت الثورة تقاسي حرب المؤامرات إلى جانب توق المعارضين إلى جمهورية أفضل، وكانت عبارة “أفضل” من اللغة المطاطة تشكلها الأهواء كما تريد، حتى أصبح (السلال) وهو قائد الثورة مستهدفا من جهة زملائه.
فبعد خمس سنوات من رئاسته بدأت تتقوى حركة 5 نوفمبر 1967م وأرادت أن تنتهج الاعتدال وأن تتجنب الدموية كليا حتى دفاعيا، فدبر رجالها (للسلال) زيارة لمصر والعراق، فأحس (السلال) أن تلك الزيارة إبعاد له، فقال لمودعيه: أهمُّ من رئاسة الجمهورية الحفاظ على الجمهورية. وكأنه يرى ما سوف يقع بعده.