الفشل السياسي والغلاء أفرغا سلة غذاء المواطن وأصاباه بالجوع
يمن بوست/ مقالات
كتب/ جمال مسعود
لم يتمكن المواطن البسيط في عدن والمحافظات الجنوبية من مجاراة سباق الضاحية الذي تخوضه قائمة أسعار السلع والمنتجات المحلية والمستوردة، وفي كل مرحلة تتعرض السوق المحلية لموجة غلاء الأسعار، وحده المواطن البسيط من يعجز عن مجاراة رفع أسعار سلع ومنتجات كبار المستوردين المبررين لرفع الأسعار بارتفاع سعر صرف العملة أمام الريال اليمني، الذي يتهاوى عند أبسط هزة سياسية أو توتر عسكري أو قلق أمني، سرعان ما يتخبط سعره بعيداً عن المعايير الاقتصادية المتعارفة عالمياً في هبوط العملات، فالفارق يقفز بشكل جنوني خلال ثوانٍ، ومؤشرات انهياره مضطربة وخطرة بعض الأحيان لولا التدخل السياسي في اللحظات الأخيرة.
الاستيراد بالعملة الصعبة وتقدير أسعار السلع المحلية، وجد التجار الكبار والموردون، في حالة اضطراب الصرف، مساحة وهامشاً كبيراً للربح، وسمحت لهم الأوضاع السياسية المتدهورة بحرية وضع الأسعار بواقع لم يتضرر منه سوى المواطن البسيط الغائب الحاضر، فهو بعيد عن التقدير، حاضر في السوق، وهو من يدفع فارق الصرف من خلال شرائه للسلع والمنتجات.
إن الغلاء قلص محتويات سلة الغذاء للمواطن البسيط، ودخلت بذلك مرحلة الخطر، واليوم تهدد بتفشي الجوع بين أوساط الفقراء في البلد، فالاحتياجات الضرورية والسلع الأساسية ارتفع سعرها بشكل جنوني، وقف أمامها المواطن البسيط موقف العاجز المحتاج، فهو لا يستطيع الاستغناء عن شراء الدقيق والسكر والأرز والزيت؛ لكنه لم يعد قادراً على توفير قيمة الكمية المعتاد شراؤها شهرياً، فليس أمامه من سبيل سوى تقليص الكمية وإنقاص الوجبات اليومية، فقد سقطت سابقاً من قائمة سلة الغذاء مكونات كانت يوماً من الأيام أساسية، هي اليوم من الكماليات والتحسين الغذائي، فالألبان ومشتقاتها، واللحوم ومشتقاتها، والخضار بأنواعها، والفواكه بأشكالها وألوانها، والأسماك بأحجامها، والحلويات بأطعامها، والبيض والدواجن، كلها سلع أساسية ضرورية في سلة الغذاء الأسري لكل دول العالم، سقطت من محتويات سلة غذاء المواطن البسيط، عدا المتيسرين وذوي الدخل المفتوح فلديهم القدرة الكاملة على شراء ما لذ وطاب وحضر في السوق أو غاب، فلله الحمد والمنة، بارك الله لهم فيما رزقهم بغير حسد ولا عين مؤذية، لكن كيف يعمل المواطن البسيط وقد تقلصت سلته الغذائية، وخرج من محتوياتها حليب الأطفال كذلك، فأحدهم كان يشتري فطوراً وعشاء يومياً لأسرته بستمائة ريال، اليوم صار يدفع سبعمائة ريال لوجبة العشاء فقط، بعد أن ألغى وجبة الفطور ليغرق أولاده في نومهم حتى الظهيرة ليقوموا على تناول الغداء، فصارت لديهم وجبتان في اليوم، وأحدهم لديه أسرة كبيرة، وهو وزوجته دخلهم الشهري 300 ألف ريال، كان لديه حساب شهري في البقالة 90 ألف ريال، وصاحب الخضار والفواكه 20 ألف ريال، والسمك والدجاج شهرياً 15 ألف ريال، وإيجار سكن 60 ألف ريال، بواقع إجمالي 185 ألف ريال، يتبقى لديه 115 ألف ريال مصروف الأولاد وتعليمهم. تغيرت الأحوال اليوم وصار يدفع 120 ألف فاتورة البقالة، و30 ألف ريال لصاحب الخضار، و30 ألفاً للأسماك واللحوم، وصار يدفع 80 ألفاً إيجار السكن، بواقع إجمالي شهرياً 260 ألف ريال، يتبقى لديه 40 ألف ريال حولته من حالة الاكتفاء إلى المديونية الشهرية والعجز.. فما بال الذي دخله الشهري أقل من 100 ألف ريال واحتياجاته الشهرية أكثر من ذلك بكثير، فليس أمامه سوى تقليص الاحتياجات، وضغط المصروفات، والصبر على البلاء، واحتساب الأمر لله، بانتظار نضج الوعي السياسي لصناع القرار والارتقاء في إدارة شؤون الدولة إلى مستوى الإنسانية والوطنية، والتفكير الجاد بعمل نبيل ينتشل المواطن البسيط من أوضاعه المعيشية المأساوية، التي هم سببها وإغراق الشعب في الأزمات والنكبات والانهيارات.. فهل سيعقلون؟!.