مأساوية المواجهة مع كوفيد- 19 باليمن
يمن بوست/ كتب/ عبدالله الدهمشي
وفي اليمن الوضع مختلف جداً.
وفي اليمن ليس للوباء وجه واحد كما في كل دول العالم.
تحتشد كل أدوات القتل ليكون فيروس كورونا سلاحاً جديداً للقتل ونشر الموت على أوسع نطاق.
وفي اليمن يكون فيروس كورونا وباءً على شعب ليس له دولة تعمل معه على مواجهة الوباء، فاليمن دولة كانت مثل البقية حولها، لكنها ابتليت دون غيرها بفوضى أسقطت الدولة، واستبدلتها بعصابات طائفية ومناطقية مسلحة ومرتهنة للخارج، تتاجر بالحروب، وتقتات من مآسي اليمنيين، ويعلو صوت إعلامها بالويلات التي تطحن الملايين بالفقر والأوبئة والاقتتال والحصار والألغام والجغرافيا المتناثرة في ساحات السلاح والحروب.
وإذا كان العالم أو قل دول العالم تحتشد مع شعوبها في مواجهة جائحة كورونا، فإن الشعب اليمني يقف وحيداً ليسقط أمام كورونا، بل أمام كل القتلة من أوبئة وأمراض وفقر وحصار وعصابات تسرق ثروات اليمن، وتصادر مرتبات العاملين في الدولة، ولا تتورع عن سرقة الصدقات التي تخصص لليمن كمنح وهبات.
والأمر هنا ليس أمر كلمات ترثي لحال شعب يتخطفه الموت من كل مكان منذ 5 سنوات، ولكنه لسان حال تحتشد فيه جيوش الحكومة والانتقالي للاقتتال في أبين، وعدن مدينة موبوءة، وتحشد فيه عصابات الحوثي مقاتليها لقتال آل عواض في البيضاء، وصنعاء مفتوحة للموت والمقابر. والأمر كذلك لسان حال تجاذب إقليمي انكفأ على نفسه لمواجهة جائحة كورونا، ولكنه بقي في اليمن مشغولاً بإشعال حرائق الصراع بعيداً عن مواجهة فظائع الموت القادم مع كوفيد – 19.
حين نبدأ بأولويات العزل الاجتماعي للوقاية من كوفيد- 19، فإن اليمنيين الذين توقف صرف مرتباتهم في سبتمبر 2016م، غير قادرين على البقاء في البيوت، وعاجزين عن الوفاء بمتطلبات الوقاية من الإصابة أثناء الخروج لقضاء الحاجات الحياتية، ولا توجد جهات رقابية على تنفيذ إجراءات العزل الاجتماعي مع تشتت القوى المسيطرة، وانشغالها بأولويات الحروب في الشمال والجنوب.
وحين نتأمل في الأرقام التي تكشف مآسي الانهيار في المجال الصحي باليمن، فإننا نجد مؤشرات كافية للدلالة على كارثة إنسانية تتسع باستمرار لتقضي على ما تبقى من رمق للحياة في يمن الحروب والصراعات الدموية والأوبئة المنتشرة باستمرار. والمرعب فعلاً أن وحشية كوفيد- 19 ستتحرك على جغرافيا سكانية تفتقر للحد الأدنى من مقومات المواجهة.
وحين نبدأ بأولويات العزل الاجتماعي للوقاية من كوفيد- 19، فإن اليمنيين الذين توقف صرف مرتباتهم في سبتمبر 2016م، غير قادرين على البقاء في البيوت، وعاجزين عن الوفاء بمتطلبات الوقاية من الإصابة أثناء الخروج لقضاء الحاجات الحياتية، ولا توجد جهات رقابية على تنفيذ إجراءات العزل الاجتماعي مع تشتت القوى المسيطرة، وانشغالها بأولويات الحروب في الشمال والجنوب.
النظام الصحي في اليمن عاجز عن الاستجابة السريعة والتعامل مع كوفيد- 19 بكفاءة، فـ50% فقط من المنشآت الصحية هي التي تعمل في الوضع العادي، بينما يتوفر 10 عاملين صحيين لكل 10 آلاف يمني، ومع هذا فإن هؤلاء الـ10 يفتقرون لإمكانيات التعامل مع الأزمات والكوارث وتفشي الأوبئة.
ومع أهمية الأرقام التي تكشف مأساوية الانهيار في المجال الصحي، إلا أن هذه الأرقام لا تكشف واقع تشظي الجغرافيا السكانية وما عليها من مؤسسات صحية وتوزعها تحت سيطرة القوى المسلحة، ووفقاً للأرقام فإن النظام الصحي في اليمن عاجز عن الاستجابة السريعة والتعامل مع كوفيد- 19 بكفاءة، فـ50% فقط من المنشآت الصحية هي التي تعمل في الوضع العادي، بينما يتوفر 10 عاملين صحيين لكل 10 آلاف يمني، ومع هذا فإن هؤلاء الـ10 يفتقرون لإمكانيات التعامل مع الأزمات والكوارث وتفشي الأوبئة.
وإذا كانت أبسط هذه الإمكانيات هي المرتبات التي توقف صرفها، ولا تهتم بها جماعة الحوثي، فإن الوفاء بهذا الاستحقاق فقط -أي صرف المرتبات- يبدو مستحيلاً نظراً لانشعال الأطراف المعنية أولاً بأولويات الاقتتال، وثانياً باستخدام وباء كورونا في صراعاتها المستمرة. وهكذا يستحيل أن يواجه اليمنيون كوفيد- 19 وفق استراتيجية وطنية تحشد إمكانيات الداخل، وتنظم مساعدات الخارج، وتتعامل مع التداعيات الناجمة عن تفشي فيروس كورونا، بما تتطلبه الكارثة الإنسانية من استجابة قادرة على توفير المتطلبات الأساسية للمواجهة، وعلى كافة المستويات الصحية والنفسية والاقتصادية.
تكشف التقارير الدولية الموثقة في العام 2019م، عن الحاجة الماسة لقرابة 24.1 مليون يمني، إلى نوع من المساعدة الإنسانية، منهم 19.7 مليون يمني يحتاجون للمساعدة للوصول إلى الرعاية الصحية، لهذا تكون الأوضاع المفروضة بجائحة كورونا مأساوية، وستزداد فظاعة مع استمرار تجاهل سلطات الأمر الواقع لضرورات توقف الاشتباكات، والبحث عن متاحات التنسيق الميداني، ولو في المجال الطبي فقط، بين الأطراف المعنية.
إن الوضع العالمي الذي صنعته جائحة كوفيد- 19، يسهم في تعقيد الوضع المأساوي في اليمن، من خلال مافرضته إجراءات الوقاية من توقف للأنشطة الاقتصادية، وتقييد للحركة الإنسانية التي تتطلبها الدعوة الأممية لإيقاف الاقتتال في اليمن، وصياغة استراتيجية مدعومة دولياً لمواجهة فيروس كورونا في اليمن.
وإضافة إلى ذلك، فإن الأوضاع الخارجية، وحسب التقديرات الأولية، ستعمل على خفض تحويلات المغتربين إلى اليمن بنسبة 70%، وهذا سيزيد من ارتفاع معدلات الفقر وانعدام القدرة الشرائية لملايين من اليمنيين الذين سيكونون ضحايا عاجزين عن مواجهة شراسة القتل اليوم، التي يحملها كوفيد- 19، وخصوصاً مع قلة الوعي المجتمعي، وانعدام القدرة على التضامن الاجتماعي في مواجهة الوباء.
ويضاف إلى هذه العوامل ما صنعته الحرب خلال 5 سنوات بحياة الملايين من اليمنيين الذين وجدوا أنفسهم ضحايا صراعات لا تتوقف عند حدود القتل المباشر، ولكنها تتجاوز ذلك إلى تدمير مقومات الوجود الحياتي، حيث ترتفع بالحرب ونتائجها معدلات انعدام الأمن الغذائي في اليمن، ومعدلات سوء التغذية، مما يجعل اليمنيين ضعفاء مناعياً في مواجهة وباء كوفيد- 19.
وأمام وضع كارثي كهذا الذي تنفرد به اليمن في عالم موبوء بكوفيد- 19، تزداد بشاعة المأساة حين يتحقق لنا العجز التام عن وقف الاقتتال، وحتى الأمم المتحدة التي فشلت في تحقيق أية استجابة لدعوتها أطراف الصراع إلى وقف الأعمال القتالية، لم تجد ما تسهم به في دعم الجهود المبذولة لمواجهة كورونا إلا بنشاط تجاري مشبوه في مقترح السفن التي تعمل كمستشفيات ميدانية في ميناءي عدن والمكلا، حيث من المؤكد أن هذه السفن ستكون صفقات مربحة لن يستفيد منها المجال الصحي المنهار في اليمن، ولن يجد الضحايا في كل جغرافيا اليمن سبيلاً إلى هذه السفن التي من المؤكد أنها ستفوز بالمال إن تمت الصفقات، لكنها لن تقدم لليمنيين ما ينتفعون به لمواجهة الأمراض والأوبئة.
تتعدد سلطات الأمر الواقع في اليمن، وتتسابق مع بعضها بعضاً في سبيل الفوز بمزيد من النفوذ في الجغرافيا والسيطرة على السكان، فالحوثيون مشغولون في البيضاء، وطرفا اتفاق الرياض الفاشل مشغولون في أبين، وهكذا. وكما هو الحال في اليمن خلال سنوات الحرب، تنصرف الحسابات إلى أولويات بعيدة كل البعد عن معاناة اليمنيين وآلامهم، لذلك نختتم بما بدأنا به القول إنه مهما بدت مآسي فيروس كورونا عامة في كل الكرة الأرضية، فإنها في اليمن حالة مختلفة كلية في نوعية المأساة وطبيعة التعامل معها ومع مايترتب عليها من تأثيرات ونتائج وتداعيات.