صنعاء القديمة… الحرب تخفي طقوس رمضان
يمن بوست/ تقارير
ما إن يحل شهر رمضان من كل عام، حتى تستعد صنعاء القديمة لاستقباله ببهجة المشتاق، فتغير مظهرها الخارجي، وتردد الأناشيد الشعبية مرحبة به، وتعطي خصوصية مميزة من الممارسات التقليدية والطقوس المتوارثة من الآباء والأجداد في هذا الشهر، والتي تختلف عنها في باقي أشهر السنة.
وكالمعتاد، لرمضان نكهة روحانية في صنعاء القديمة، إذ تتجسد في الحلقات الدينية التي تعقد في المساجد والمنازل لقراءة القرآن والتسبيح، وتذكر قصص الأنبياء والصحابة بغرض العظة والعبرة والاقتداء بسيرتهم العطرة.
ولاتزال صنعاء القديمة تمارس بعض تلك العادات والتقاليد، ولكن العديد منها تمارس بصورة محدودة جداً، نتيجة الأوضاع التي طرأت على اليمن من حرب وسوء للأحوال المعيشية لدى غالبية المواطنين.
ويتحدث السبعيني طه الحاج، من ساكني صنعاء القديمة, متمنياً أن تعود تلك الممارسات لدى الأهالي في صنعاء القديمة، لكونها تضفي أجواء رمضانية مختلفة توحي بعظمة هذا الشهر المبارك.
وتلاشت الكثير من عادات سكان صنعاء القديمة، مثل تجديد طلاء منازلهم من خارجها بمادة “الجص الأبيض”، وإنارتها احتفاءً بشهر رمضان، فضلاً عن ترديد الأهازيج والأناشيد الشعبية من قبل المواطنين بمختلف أعمارهم، لاسيما الأطفال، وإطلاق الألعاب النارية في الهواء، بحسب الخمسيني قاسم الأجدب، صاحب محل ملابس في صنعاء القديمة، والذي قال إنه لايزال يتذكر عندما كان صغيراً اهتمامه وأقرانه بقدوم رمضان، حيث يجتمعون ليجوبوا أزقة صنعاء القديمة، يصدحون بأصوات عالية “أهلاً أهلاً يا رمضان، شهر التوبة والغفران” و”يا رمضان يابو الحماحم، إدي لي قرعة دراهم”، مضيفاً أن الأطفال كانوا يقومون بزيارات إلى المنازل في أحياء صنعاء القديمة، وهم يهتفون “يا مساء جيت أمسي عندكم”، حيث ينتظرون من أصحاب المنازل أن يعطوهم “بقشة”، فالبعض كان يعطيهم حيث ينزلونها من أعلى المنازل يضعونها في “خرقة” وإحراق بعض أطرافها حتى يراها الأطفال عند سقوطها.
وتشهد أزقة صنعاء القديمة، خلال شهر رمضان، ازدحاماً كثيفاً للناس، أكانوا زائرين لمعالمها التاريخية، أو متسوقين يقصدونها لشراء المأكولات الشعبية والمتعارف عليها بـ”الشعوبيات”، وهي حلويات وعصائر كـ”الرواني، والبقلاوات، والبسبوسة وعصير الشعير، والزبيب”، ناهيك عن كون صنعاء القديمة تضم عدداً من الأسواق، لعل أهمها سوق الملح الذي كان يعتبر المركز الرئيس للمواطنين في اقتناء الملابس وكافة مستلزمات العيد، كما يقول الأحدب.
وأبدى الأحدب أسفه لغياب بعض تلك المظاهر والممارسات في الوقت الرهن، مرجعاً سبب اندثارها إلى انشغال الناس، كباراً وصغاراً، بهموم وأعباء الحياة، التي أفرزتها الصراعات السياسية، التي أوصلت البلد إلى مستنقع الحرب.
طقوس اختفت
لم يعد أهالي صنعاء القديمة يجتمعون في ليالي شهر رمضان، للسمر وتعاطي القات، وإحيائها بالموالد والتهليل والتكبير والتسبيح وتلاوة القرآن، وتفسير آياته ومفرداته، والشعر والأدب، ومناقشة القضايا الاجتماعية، وقلما نجد اليوم مثل هكذا طقوس يقوم بها أبناء المدينة، لاسيما وأن الحرب تسببت في حدوث خلل في النسيج الاجتماعي، وفرضت واقعاً محزناً على المواطنين، وبالذات أن جيلاً يانعاً جله قضوا نحبهم قتلاً في المعارك والجبهات المتوزعة على أنحاء اليمن، وفق ما يقول الأربعيني محمد الفروي، صاحب محل جنابي بصنعاء القديمة، مضيفاً أن الوجوم يبدو ظاهراً على صنعاء القديمة وهي تتوشح شعارات سياسية وصوراً للقتلى، في حين أنها كانت تشع بياضاً ونوراً في هذا الشهر الكريم.
ومن العادات التي اختفت في صنعاء القديمة حالياً، “المسحراتي”، إذ كان في الماضي شخص يدعى راجح الحارس، وظيفته إيقاظ أهل صنعاء للاستعداد لتناول وجبة “السحور”، قبل أذان الفجر، كما أفاد “المشاهد” السبعيني يحيى المروني، الذي أوضح أن “الحارس” كان لديه طبل يقرعه بعصا، لتنبيه أهالي صنعاء القديمة لأوان موعد السحار، وقد كان أغلبهم يعتمدون عليه لإيقاظهم.
وتحكي الستينية تقية الحرازي، من سكان صنعاء القديمة، مشاعرها الفياضة تجاه مدينتها التي نشأت وترعرعت فيها، متحدثة عن روعة شهر رمضان في الماضي، خصوصاً في صنعاء القديمة، حيث تقول إن النساء كنَّ بعد الانتهاء من إعداد وجبة العشاء، والفراغ من أعمالهن المنزلية، يجتمعن مع جيرانهن في منزل إحداهن، ويتسامرن، وكانت إحداهن تسمعهن “الحزاوي” والقصص الشعبية، والخيالية، والحكم، أغلبها ذات فائدة وحكمة.
أما اليوم، فلم تعد النساء يعرفن بعضهن البعض، رغم تجاورهن لسنوات، إذ تغيرت معاني الألفة والأخوة والتجاور والتكافل الاجتماعي، وصار النساء والرجال غرباء في صنعاء القديمة، بحسب الحرازي.