الاغاثات الانسانية.. للمرأة اليمنية دور في توفير وتوزيع المعونات للمحتاجين

يمن بوست/ تقارير 

القاهرة – حفصة عوبل:

تعيش ام عمار في احدى المنازل الشعبية في حي السنينة الواقع بالقرب من شارع الستين بالعاصمة صنعاء، حيث تعمل على تنظيف المنازل مرة أو مرتين في الاسبوع لأقل من ساعة، لتحصل على مبلغ ثلاث مئة ريال أي ما يعادل نصف دولار، وهو مصدر رزقها الوحيد بعد انقطاع راتب زوجها منذ اندلاع الحرب في اليمن عام 2015.

“كل ما احصل عليه من عملي في المنازل الميسورة، هو كل ما لدي لإطعام ولداي المعاقين بعيد عن مد يدي إلى الناس” تقول أم عمار.

تستطيع هذه السيدة التي ما زالت حتى اليوم تعيش في مدينة تعاني الحرب والحصار، ويعاني سكانها من الفقر والعوز، أن تعمل لكسب لقمة عيشها دون ان يعلم عن حالها احد سوى احدى السيدات فاعلات الخير، حيث تشهد اليمن في السنوات الاخيرة دمار ونقص بالغذاء وتدهور اقتصادي كامل، وبات يعرف بأن اليمن اصبحت افقر دولة في العالم.

تختصر أم عمار الحديث عن ضررها الاقتصادي وعوزها بالقول : “اليمن السعيد انتهى تقريباً.. لا داعي للكذب على الاخرين اننا سعداء”.

ليست ام عمار وحدها التي تحتاج لمساعدات غذائية طارئة، ففي اليمن التي تشهد منذ أكثر من ستة أعوام أعنف حرب حدثت بها، هناك ما يزيد عن 24.1 مليون إنسان- بحاجة إلى نوع من أنواع المساعدات الإنسانية وفق تقديرات الامم المتحدة. وقد باتت جميع المنظمات الانسانية تدعو الى انقاذ ارواحهم بالمساعدات الطارئة، وبات من الصعب توثيق كل الحالات الانسانية التي تعيش تحت خط الفقر خاصة في القرى.

المجاعة والمساعدات في اليمن

في افتتاح المؤتمر الخامس من نوعه لإعلان التعهدات المالية للجهود الإنسانية في اليمن، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن المجاعة تلقي بثقلها على اليمن وإن السباق جار لإنقاذ ملايين الأشخاص الذين قد يلقون حتفهم بسبب الجوع والتجويع.

وقال غوتيريش “من المتوقع أن يعاني أكثر من 16 مليون شخص من الجوع هذا العام. وما يقرب من 50 ألف يمني يتضورون جوعا إلى حد الموت في ظروف تشبه المجاعة. وان 4 ملايين شخص بأنحاء اليمن أُجبروا على الفرار من ديارهم. والعملية الهجومية الأخيرة التي ينفذها الحوثيون في مأرب تهدد بتشريد مئات آلاف الأشخاص”.

حال الوضع الانساني في اليمن

بحسب إحصائيات مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة، قتلت الحرب منذ عام 2015 ما لا يقل عن 7825 مدنيا، بينهم 2138 طفلا و933 امرأة. كما أصيب أكثر من 12 ألفا بجروح، ناهيك عن نزوح أكثر من 4 ملايين شخص داخليا. وخلال العام الماضي، قتل وجرح أكثر من ألفي مدني، ونزح أكثر من 172ألف شخص.

وأدى قرب القتال من المناطق السكنية إلى أضرار واسعة النطاق بالممتلكات المدنية، حيث تضرر أكثر من 4600 منزل ومزرعة، معظمها في محافظتي الحديدة وتعز. وتشير التقارير إلى أن الحرب دمرت البنية التحتية الحيوية للبلد، بما في ذلك النقل والصحة والتعليم والمياه والاتصالات. وتضيف أن الصراع أعاق الوصول المادي والاقتصادي إلى الغذاء، مما يجعل نحو 13.5 مليون شخص في أزمة غذائية، متوقعة أن ترتفع إلى 16.2 مليون في النصف الأول من عام 2021.

ويقول مكتب المفوض السامي: ان جائحة كورونا أتت في ظل نظام صحي مرهق، وهو ما فاقم مخاطر الحماية الحالية. وتعتبر جائحة كورونا في اليمن أزمة إنسانية صامتة في ظل عدم اعتماد السلطات الشفافية في التعامل معها، ولعدم توفر أجهزة الفحص الكافية لتشخيص المرض.

وتفيد الإحصائيات الرسمية بتسجيل 2134 حالة في اليمن، منها 616 وفاة، لكن مختصين يقولون إن العدد أكبر من ذلك بكثير. ويؤكد أطباء وجود حالات كثيرة تحمل نفس أعراض وباء كورونا، الأمر الذي قد يزيد سوء الحالة الإنسانية في بلد لا تتمتع مرافقه الصحية بمعايير الأمان والجودة بفعل الحرب.

ناشطات في العمل الانساني

لم تقف النساء في اليمن كمتفرجات للمشهد الانساني الذي تسببت به الحرب منذ عام 2015، لكن بدأت مجموعات كبيرة من النساء بشكل شخصي اوعن طريق المبادرات لمساعدة الناس وتجاوز هذه الازمة ولو بشكل بسيط جداً، وبإمكانيات شحيحة.

فهناك من انقذن ارواح تهالكت بسبب الجوع او المرض او تعرضت لإصابات بسبب الحرب والمواجهات، وهناك من انقذن حياة الكثير من حيث التعليم والتدريب والتأهيل والتوعية. ولم يقتصرن على العمل في محافظة واحدة بل سعين جاهدات للوصول الى عدة محافظات اخرى.

المتطوعة في المجال الانساني دعاء القدسي في العقد الثاني من العمر، بدأت عملها في العمل الخيري الانساني في محافظة عدن، وقد كانت عبارة عن حملات نظافة وحملات لدار الايتام والمسنين. ثم انتقلت دعاء الى محافظة تعز ايام الحرب، ومن هناك بدأت نشاطها في ريف مديرية المواسط، حيث عملت مع الصندوق الاجتماعي للتنمية وبعض المنظمات، وكان نشاطهم عبارة عن عمل ابار مياه ورصف طرقات حتى 2018.

ثم انتقلت القدسي الى عدن وكانت تستهدف حالات مرضية مثل السرطان، والولادات القيصرية وغيرها لأسر النازحين، وتقدم لهم السلال الغذائية والمراوح والطاقات الشمسية والبطانيات، اسست بعدها مركز تدريب وتأهيل “لكم” في تعز للمرأة، تحت رعاية المجلس المحلي في مديرية المواسط.

تقول القدسي: “ركزت عملي على الجانب الانساني، كنت اعيش في عدن وكانت تصلني حالات من صنعاء والحديدة وتعز تحتاج لمساعدات، والحمدلله كانت اول ما تصلني الحالات ابدأ بمساعدتها، وعندما اعجز عن تقديم المساعدة، اقوم بالنشر على صفحتي في الفيسبوك للبحث عن فاعلين خير”.

وتقول البروفيسور، نجاة صائم خليل، وهي خبيرة وباحثة في النوع الاجتماعي وقضايا النساء: “من المعروف ان المرأة اليمنية تساهم في العمل الاجتماعي منذ قديم الزمن، فلم تكن تغيب عن أي فعالية تتطلب التعاون والمساهمة على مستوى القرية او الحارة، فهي حاضرة بكل جهدها المادي والمعنوي.

فتعرض المرأة اليمنية للعنف القائم على أساس النوع الاجتماعي من القضايا التي تؤثر على حياتهن بشكل عام وتزايد الوضع سوءً مع اندلاع النزاعات المسلحة والحرب منذ عام 2011، ودور المرأة في الحد من العنف القائم على أساس النوع في الحروب والنزاعات لابد ان يظهر ويكون اقوى مما هو عليه في الظروف العادية، ويكون ذلك على مسارين المسار الأول، النساء المقدمات للخدمة عليهن العمل على تقديم الحماية والدعم للنساء المعرضات للعنف، والمسار الثاني النساء المعرضات للعنف عليهن البحث واللجوء الى الأماكن التي تقدم لهن خدمات الحماية والدعم”.

النازحون ودور المرأة

لا يخفى على العالم ما يحدث في اليمن، وما يعانيه الشعب اليمني في السنوات الاخيرة من تردي في الوضع الاقتصادي والصحي، وهي من أكثر القطاعات التي تعرضت للضرر خلال الحرب، وتنقل ام معتز وهي ناشطة ميدانية تقوم بالعمل وتقديم المساعدات بفضل احدى فاعلات الخير من دولة الكويت، في توزيع السلال الغذائية، وعمل حملات سبيل للماء في منطقة جربان وضروان بمديرية همدان بصنعاء. وقد حدث ذلك وفق قولها “بشكل دوري خاصة في شهر رمضان لمساعدة الناس قدر الاستطاعة”، حيث تتبع هذه المناطق محافظة صنعاء التي يسيطر عليها جماعة الحوثي منذ 2014.

وتصف الناشطة في منطقة ضروان وجربان بأنها اليوم ” من اكثر المناطق المليئة بالنازحين من الحرب” حيث تواجد مخيمات النازحين الذين فروا من المعارك من محافظات عدة مثل تعز ومأرب والحديدة الى صنعاء، الا انهم لم يجدوا يد العون التي توفر لهم كل الاحتياجات الاساسية بشكل مستمر. مما يؤدي الى دفع بعض النازحين للجوء الى التسول للحصول على لقمة العيش.

وفي الاطار ذاته وثق ناشطون صور لنازحين في منطقة ضروان تظهر المكان الذي يأويهم منذ بداية الحرب ووضعهم الانساني.

دور منظمات المجتمع المدني مع الوضع الانساني

أدى النزاع في اليمن إلى تضخيم الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، واستنفاد الموارد وإفساح المجال لاستراتيجيات المواجهة السلبية. فأكثر من 2150 شركة ومشروع صغير تم إنشاؤها أو المساعدة في إنشاءها (50% تملكها نساء) بحيث ينتج عنها ربح بإجمالي 200,000 دولار أمريكي عن برنامج الامم المتحدة الانمائي في اليمن مارس 2019، الا ان المستفيدين من هذه البرامج هم الاشخاص القادرين على توفير قوت يومهم بينما منهم تحت خط الفقر غير مستفيد ولا تصله تلك المساعدات.

تقول نجاة خليل: “العمل الاجتماعي بشكله المؤسسي والمقصود هنا، منظمات المجتمع المدني والتي من المفترض انها تكون رديف للدولة وليس بديلا عنها، ودور النساء فيها كمقدمات للخدمة، مع الأسف الشديد نلاحظ ان نسبة كبيرة من هذه المنظمات والتي أنشأتها نساء يمنيات لا تقوم بدورها المفترض في تحسين اوضاع المرأة اليمنية وتمكينها، بل على العكس تعمل هذه المنظمات على تكريس اوضاع النساء اليمنيات السيئة من اجل مصالح شخصية”.

يمكننا اسـتنتاج واقـع دور المرأة في البنية الاجتماعية ودورها في عملية التغيير، فعملية غرس اكتساب المعرفة من أهم القضايا في التحول الحثيث إلى نمط إنتاج المعرفة في البنية الاجتماعية والاقتصادية. ولن يتسنى ذلك إلاّ بتغيير موجهات السلوك الاجتمـاعي والاقتصـادي، واعتماد دور المرأة كعنصر أساسي في علميات التغيير المختلفة بحسب الكفـاءة والمهـارة والـتمكين والقدرة وليس من مصدر السلطة والمال والجاه.

ازداد نشاط المرأة في العمل الإنساني التنموي في ظل الحرب، حيث كان لها ادوار وبصمات عدة في هذه الجوانب، بنفس الوقت لقت العديد من المعوقات، ففي مجتمع كاليمن هناك شرخ في المبادئ والقيم، لهذا اصبح صعب التعامل مع الناس وكسب ثقتهم، بالإضافة ان عديد من يستغلون الحروب والعمل في هذه المجال لمصالحهم الشخصية.

وعلى الرغم من ان الدراسات الحالية تشير إلى تدهور أوضاع النساء أثناء النزاع في اليمن في جميع المجالات التعليمية والصحية والاقتصادية والسياسية؛ الا ان بعض النساء اثبتن انهن قادرات على تجاوز كل تلك الصعاب وتوجهن الى الميدان للعمل بكل جد وجهد.

المستوى الإغاثي والإنساني

بادرت النساء من مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية في تقديم خدمات الإغاثة الإنسانية ومساعدة النازحين/ات في جميع المحافظات؛ فكان لهن الدور الأكبر في ذلك سواء كمبادرات فردية أو جماعية أو عبر مؤسساتهن أو منظماتهن. وقد قمن أيضا بالضغط على المنظمات الدولية الإنسانية بإدخال منظور النوع الاجتماعي في جميع البرامج والخدمات الإنسانية. حيث نجحت هذه الجهود في تحسين تقديم الخدمات والإغاثة الإنسانية من منظور عدالة النوع الاجتماعي كما أشارت تقارير الأمم المتحدة. ولكن تجد المنظمات النسائية صعوبة في الوصول إلى منظمات الإغاثة الدولية لدعم مشاركتهن في هذا الجانب.

اصبح العمل الانساني بالنسبة لهؤلاء النساء حياة، فالعمل الانساني الذي يقوم عن طريق المبادرات هو عبارة عن تمويل من اهل الخير والتجار فقط، من المجتمع والى المجتمع، لا يوجد أي دعم من مؤسسات او منظمات. وتواجه المرأة اليمنية تحديات مالية شحيحة لدعم مشاركتها في عملية الاغاثة الانسانية والمجتمعية؛ حيث توقفت العديد من المبادرات النسائية في عملية الاغاثة لصعوبة الوصول إلى الدعم او لمعوقات امنية في بعض المحافظات.

قبل ان يصدح صوت المؤذن منادياً لصلاة الظهر من احدى المساجد القريبة في حي السنينه بصنعاء، تغادر ام عمار احدى المنازل التي ذهبت لتنظيفها منذ الصباح الباكر، متجهةً الى احدى محلات الخضار لشراء ما يكفي المال الذي تمتلكه، وتعود الى منزلها حيث ينتظرها ابنائها.

وتتمسك ام عمار بالقول “لا أحد يحمي البلد سوى أهلها، كل من يعيش على ارض اليمن عليه حمايتها، فمن يخوضون المعارك هم إما لا يهمهم ارواح الناس، او الاساءة لنا بين الدول الاخرى، المنتمون للوطن من المواطنين العاديين هم من يساعدوننا، اما منظمات دولية وغيرها لم نرى منهم شيء”.

هذه المادة أعدت في إطار مشروع القيادات النسائية.. محفز لتعزيز بناء السلام والاستجابة الإنسانية في اليمن، بتنظيم شبكة أصوات السلام، بالشراكة مع مجموعة التسعة وهيئة الأمم المتحدة للمرأة ومركز عدالة لدراسات حقوق الانسان والحكومة اليابانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *