أول مدير عام في محافظة مارب، الذي دفع ببنات البدو إلى الجامعات والمدارس ثم أوقفوا مرتباته من 2012 حتى اللحظة
يمن بوست/ مقالات
كتب/ علي الضبيبي
رجل التنوير والمدنية في المشرق اليمني
لا أحد في الشرق لا يعرف جمال شاجرة..
وعندما يسأله الناس: كيف حالك يا جمال؟ يرد عليهم:” حالي مثل اليمن اذا أنتم تروه بخير أنا بخير” ، ولا يزيد !
هذا المناضل القدير ، القادم من مدينة “حريب” ، هو أول مدير عام في محافظة مارب. وإجابته عن الحال، تختزل في معناها وأبعادها ودلالاتها وطناً بأكمله .. هل هذا الإنسان العظيم بتأريخه، المنحاز للفقراء والمهمشين وأصحاب الحقوق وللنساء والأطفال وللعدالة ، يمتلك وحده التفسير والقراءة المناسبة لحالة اليمن وخطها الزمني الآن ..؟!
يكذب من يدعي الحديث عن المدنية، قبل جمال شاجرة في مارب. ويكذب من يقول إن هناك من سبق شخصيتين في الدفع ببنات البدو إلى الجامعات والمدارس والفعاليات المدنية، قبل هاذين العلمين: علي عبدربه القاضي وجمال شاجرة.
جياته زاخرة بالأحداث والقصص، وهو إذ يقف اليوم على ناصية السبعين متأملاً، لا يزال قادراً على الوزن. وعلى قول الحقيقة وسط كل هذه الظروف، التي تكتنفها المخاوف ويغطيها دخان الحرب. فهو بحق، أحد أبرز الأعلام المدنية في مارب، وأكثر مناضليها كفاحاً ضد الجهل والثأر والعجرفة وغرور أنصاف المشائخ.
تتميز سيرة الرفيق جمال شاجرة بالنشاط والدأب والمتابعة، حيث لا تفوته فعالية مدنية سواءً في مارب أو حريب أو في غيرها إلا ويحضرها مشاركاً ، ومناقشاً ، لا يخاف ولا يجرح الآخرين، وهو فوق ذلك يتصف بالهدوء والصبر والإنصاف والإستماع طويلاً إلى محدثيه. ثم إنه وفياً للصداقة على طريقة كرام العرب وعلى سجيتهم.
ولد في “حريب”، منتصف الخمسينات، وهي المدينة الصغيرة لكن العريقة، المنثورة بيوتها وسط وادي شهير مكتظ بالحكايات والقصص والأساطير والتقاليد القديمة، التي تفردت وامتازت بها.
وعندما بلغ جمال سن الدراسة، التحق بالمدرسة في الصفوف الابتدائية، ولأن “حريب” إحدى اهم المناطق الحدودية، فقد انقسمت أواخر الستينات بين النظامين (الشمال والجنوب)، ليجد الفتى الذي صار في المرحلة الإعدادية، نفسه طالباً في الشطر الجنوبي، وناشطاً بارزاً في اتحاد الطلاب هناك، ثم عضواً في لجنة محافظة شبوة (لاحقاً) ، ضمن فئة شباب وطلاب “الجبهة القومية”.
بعد عام 1976 تعرض جمال شاجرة لمضايقات ، وصلت حد التتبع والسجن من جهاز “أمن الدولة” في الجنوب، ثم تلا ذلك الإستهداف ومحاولة التصفية الجسدية بسبب معارضته ورفضه التسليم بوجود الحدود الشطرية ، التي كانت تفرض على مواطني الدولتين؛ قيود تحد من حركة تنقلاتهم.
في إحدى المرات اختطف أمن الدولة في شبوة جمال شاجرة وألقاه في السجن، إلا أنه تمكن من الفرار وهرب إلى حريب ـ نظام الشمال ، لكن ليقع من جديد في قبضة الأمن الوطني الشمالي، حيث أخذته الأجهزة الأمنية من البيت واحتجزته مدة، ثم رحلته عبر مارب إلى صنعاء وأودعته سجن الأمن الوطني الرهيب . وقد تكررت معه هذه الحالة مرتين .
ويحتفظ “جمال” بقصص وتفاصيل غريبة عن ظروف تلك الفترة، وعندما أطلق سراحه، قرر أن يواصل تعليمه، ثم اهتدى عبر إعلان قرأه في صحيفة الثورة لمن يرغب في دراسة الطيران المدني ، إلى الجهة المعنية وتم قبول الملف، وبعد استكمال جميع الاجراءات، بما في ذلك امتحان القبول، تفاجأ “جمال” بتحذيرات الأمن تطلب منه مغادرة صنعاء فوراً وإلا فالعودة من جديد إلى السجن، لكن الطالب الذي بات أسير حلم طموح بأن يصبح كابتن يطير عالياً فوق السحاب، اقتنع بنصيحة أحد معاريفه المحبين بأن يغادر صنعاء ولو على الأقل إلى تعز . وفعلاً ، غادر العاصمة صنعاء، منكسر القلب، ليستقر في تعز عاملاً في مخازن “عذبان” ، وهناك مكث في العمل زمناً، إلى أن اصبح أمين جميع مخازن المجموعة التجارية ، لكن حُلم مواصلة الدراسة ظل هاجسه الدائم . يقول جمال:” إلى اليوم والله وهذا الهاجس يداهمني ، لأني تربيت في بيتنا على كلمات والدي رحمه الله وهو يقول التعليم التعليم التعليم، وإلى اليوم لا استطيع أنسى هذه الكلمات”.
يضيف جمال:” بعد عام 1979 تركت مخازن عذبان، وودعت تعز إلى “حريب”، على أمل أن أواصل التعليم إلا أن مؤسسة “جمعان” فتحت فرعاً لها في مارب، معدات زراعية وأرسل إلي أحدهم طالباً مني أن أمسك الفرع في مارب وبإلحاح منه ، قبلت العمل ، حيث أمضيت إلى عام 1986، ثم ألح علي محافظ المحافظة حينها درهم نعمان أن أكون مدير فرع المؤسسة الاستهلاكية وتم ذلك”.
خلال كل هذه المحطات ظل جمال ناشطاً مميزاً في الجانب الاجتماعي وفي معظم فعاليات المجتمع المدني، رافقته خلالها كل صنوف المتاعب والتهم والتتبع، إلا أن جبهته لم تنصاع لكل تلك المخاوف، حيث مضى قُدماً يحمل قضية وطن ومجتمع غارق في الجهل والخرافة.
في عام 2012، صدر قرار بتعيين جمال شاجرة مديراً عاماً للعلاقات العامة بديوان عام محافظة مارب، إلا انه ومنذ ذلك التأريخ ” لم ينفذ ذلك القرار ولم يسمح لي بممارسة أي مهام أو صلاحيات بمقتضى ديباجة القرار وتم إيقاف مرتباتي منذ ذلك التأريخ”.. إنها واحدة من أغرب قصص التنكيل والسفه وإنعدام الأخلاق !
يُعرف جمال شاجرة في مارب وحريب بالرفيق “جمال” أو العم جمال . وعلى امتداد كل هذه العقود، تعرض “عمنا جمال” لصنوف الأذى والمتاعب، لأسباب تتعلق بخياراته السياسية وأفكاره المدافعه عن حق المرأة في التعلم و كيف انه يتوجب على الجميع أن ينصاعوا للقانون، وأن لا يحملوا للسلاح.
عرفت جمال شاجرة في 2007، عندما قصدنا مارب لأول مرة أنا والزميل العزيز هلال الجمرة، في مهمة استقصائية عن أسباب تعثر المرحلة الثانية لمشروع سد مارب : قنوات الري . وأثناء لقاءاتنا بالمسئولين الحكوميين في ديوان المحافظة، إذ وقف رجل “مقبَع” يرتدي معوز وشميز نص كم، ومحتذياً جزمة بلا شربات، في هيئة الاستاذ القدير عبد الباري طاهر ، بشاربه وقامته ونضاله من أجل الحقوق ، قائلاً بكل شجاعة في وجه المسئولين والمشائخ:” أول نوصل قنوات تغذي ضمائركم يا مسئولين ويا مشائخ ويا اصحاب النفوذ ، وبعدها نتكلم ونوصل قنوات الري”.
يدخل “جمال شاجرة”، مدينة مارب ، كما يدخل الناس العاديّين، لا بندقية ولا جنبية رغم اعتداده الكبير بالموروث الشعبي والوطني وبأعراف القبيلة اليمنية وبأسها.. وجمال شاجرة مثقف حقيقي ، لا سيما بالشأن الإجتماعي، فهو يكتب الشعر والزامل، ويقرأ في الأدب والتأريخ والسياسة، ثم إنه يحكي بتأنٍ مثل أي حكيم أو مراغة من ذوي الوزن الثقيل في المشرق اليمني.
… وفي الليل ، يمتد أبو بشار، على الرملة، ليرتاح على صوت أبو بكر سالم بلفقيه:
يا سهران ليه السهر مالك فوق فرشك مقر
تتذكر زمانك عبر حيّا الله ذاك الزمان
يا سهران اهدأ ونم قلبك لا تحمله همّ
المكتوب واللي انقسم با يأتيك من حيث كان
يا سهران لي فيك عاب لا تطرحه وضمن الحساب
كم من نجم ولى وغاب ما بينت منه بيان
ياسهران ذا عاد ليه تتساءل وتسأل عليه
أو بالعين تنظر إليه أو ذكره يمر عا اللسان