نقد التجربة التاريخية لحركة القومية العربية

يمن بوست/ مقالات

كتب/ عبدالله الدهمشي

 

عجزت حركة القومية العربية عن تحقيق أهداف النضال العربي في التحرر القومي والوحدة العربية, وبناء النهضة الحضارية المعاصرة, وذلك حين فشلت في الارتقاء بالفكرة القومية إلى مستوى التجسيد الفعلي للهوية والأمة, واستسلمت للواقع القطري وحدود التجزئة, فكانت تعبيراً عنه بكل ما هو عليه من نقض للقومية ونكوص عن حقها في التحرر والتوحد والنهوض الحضاري, حتى انتهت تجربتها في الدولة القطرية إلى الانهيار والاندثار.

لقد وقعت الحركة القومية في شراك التجزئة واستسلمت لواقعها القطري فكانت به عامل تجزئة جديد وخطير لا يساهم فقط في تكريس حدود التجزئة, بل يعمل على تفتيت الحركة القومية وتشتيت قوتها النضالية بين فصائل المشروع القومي التي أهدرت جهدها في العداوات والمواجهات البينية وتخلت عن مواجهة قوى التجزئة, بل وعملت معها على إضعاف وانهاك قوى النضال القومي على مستوى كل قطر وعلى مستوى العلاقة بين الأقطار, وهذا ما تجسده فعلاً تجربة حزب البعث العربي في كل من سوريا والعراق.

لم تتمزق قومية حزب البعث بين دولتين في قطر العراق وسوريا, بل تمزقت وحدة الحزب في فروعه ببقية الأقطار العربية, حين توزعت تبعية البعث بين بغداد ودمشق, وقد استهلك الحزب قوته النضالية في مواجهة قوى قومية أخرى, فكانت معاركه مع الناصرية, ومن بعدها مع جماهيرية القذافي, إنهاكاً للجميع, وتأميناً للقوى الاقليمية من تأثيرات النضال الوحدوي وتنامي قوته السياسية والجماهيرية في كل الوطن العربي, وهو ما أتاح للإقليمية القطرية فرصة النماء والازدهار.

الكاتب والصحفي عبدالله الدهمشي

ولئن نجحت الحركة القومية في التمسك بمبادئ النضال العربي والثبات على مبادئه وأهدافه في مواجهة الاستعمار والصهيونية, وتعزيز الاستقلال السياسي وبناء القوة الذاتية للأمة في الأقطار التي حكمتها القوى القومية, إلا أنها تجاهلت ما يتطلبه هذا النضال من توحيد الجهود وتعزيز قوتها في النضال والتصدي لقوى الهيمنة والاستعمار و الصهيونية وقوى التجزئة والتبعية, فلم تنشأ جبهة مشتركة بين القوى التقدمية, ولا حتى جبهة تنسيق توحد الرؤى والجهود, وتعمل على تكامل الموارد والقدرات, وهو ما أتاح لقوى الاستعمار الاستفراد بالقوى القومية, والقضاء عليها واحدة بعد الأخرى, لتصبح سوريا آخر تجارب القومية المهددة الآن بالانهيار والاندثار في مواجهة شرسة مع القوى الاستعمارية التي عادت إلى الأرض العربية بقوتها العسكرية في العدوان على العراق عام 1991م.

إن التخلف العام والتآمر الاستعماري والدور الرجعي وغيرها من العوامل التي تضافرت مع أخطاء وخطايا الحركة العربية, ليست محل تجاهل في أي نقد موضوعي لتجربة النضال القومي, بل هي في صدارة الاهتمام من حيث هي من مسببات الانبعاث القومي ومبررات حركته النضالية وأحد أبرز إخفاقات هذا النضال من تجربته من سلطة الحكم ومن خارجها, خصوصاً في مصر الناصرية وفي تجربة البعث بقطري العراق وسوريا وفي الحالة الليبية, إذ كان الفشل في البناء المؤسسي للسلطة والإدارة, مصدر كل ردة فعل عن الثورة العربية, ومحرك كل عجز وفشل في البناء والنماء, وهو ما مكن قوى الاستعمار والرجعية من التآمر على التجربة الناصرية, ومن الفضاء بعد ذلك على منجزات التجربة القومية في كل من سوريا والعراق وليبيا, والجزائر, في أقل من ربع قرن على عودة الجيوش الاستعمارية إلى الأرض العربية بدعوى تحرير الكويت 1991م.

نعلم يقيناً أن الانبعاث القومي لحركة النضال العربي ثم في مطلع القرن العشرين بالمواجهة مع العدوانية الاستعمارية ورداً على تآمرها على الحق العربي في الحرية والاستقلال, ونعلم أن الانهيار الشامل للحركة القومية في الوقت الراهن, سيكون مولد البعث العربي الجديد ومحرك نضاله, دفاعاً عن الحق القومي في الوجود والمصير, وما هو جدير بالاهتمام ونحن نترقب فجر الانبعاث القومي الجديد, هو الاعتبار من تجربة التاريخ القريب, والتأسيس على ما يستفاد منه في كل عطائه وحصاده من فشل أو نجاح ومن انجازاته وانتكاساته على حد سواء, ومن أهم تلك العبر أهمية الاعتراف بالاختلاف وإدارته ايجابياً بمرجعية التوحد بعيداً عن سلبيات التنافر والصراع المدمر لكل القوى والأطياف.

إن أهم ما ينبغي تأسيس الانبعاث القومي الجديد عليه هو التنوع في معارك النضال الثومي وشمولها كل جبهات المواجهة مع التخلف والاستعمار ومع الصهيونية والرجعية, فتكون للفكر جبهته النضالية كما للعلم والثقافة والفن والأدب, وكما للصناعة والإدارة والتجارة, وكما للسياسية والقوة المادية والمعنوية, في الجيش والعتاد كما في التقنية والانتاج, وذلك ضمن استراتيجية للتكامل بين كل الجبهات والتناسق في المقدمات والنتائج, وبين الإضافة والإبداع حتى يمتلك التطور مقومات النمو والتجديد, وتكون للأمة العربية مقامها المعاصر بين الحضارات الإنسانية.

 

والأهم في هذا وبه, أن تكون الفكرة القومية مرجعية الانتماء والولاء في الواقع القطري, الذي إن لم يكن مناسباً الارتقاء به إلى الأفق القومي جزئياً أو كلياً, فمن الأهمية أن تتجسد به القومية ويكون القطر ممثلاً لعروبته, وجزءً من طموحها الوحدوي فيكون القطر جزءً من امته فعلاً ولبنة في بنائها الوحدوي انطلاقاً من كونه ولاية قائمة في الواقع من الولايات العربية المتحدة في الطموح والهدف وبحيث لا تتكرس التجزئة في القطر بحجة الانتظار للدولة القومية الواحدة, وللحديث صلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *