اصطناع الشرق الأوسط والحقيقة العربية
يمن بوست/ مقالات
بقلم/ عبدالله الدهمشي
صيغ مفهوم “الشرق الأوسط” ليكون بديلاً للصفة العربية المستخدمة في الجغرافيا السياسية لتوصيف الأرض والسكان بصفة العربية, فيكون هناك وطن عربي وشعوب عربية تستوطنه وتشكل عليه هوية قومية لأمة واحدة, وبهذا يستهدف مفهوم الشرق الأوسط طمس الصفة العربية ونفي ما يتوحد بها من وطن وشعب ويتواجد عليها من قومية وأمة, وليكون بديلاً للعروبة في الحديث عن الجغرافيا السياسية للوطن العربي والأمة العربية والقومية العربية.
أريد لمفهوم الشرق الأوسط أن يكون نفياً للوحدة العربية في وطن وأمة ونقيضاً لها في الاستخدام والدلالة, لتأكيد أن الوطن العربي لا حقيقة له في الجغرافيا السياسية ولا وجود له في تاريخها وحاضرها, فهذه البقعة من الأرض تجمع للأعراق والثقافات التي تتناثر على فسيفاء جامعة للأمم والشعوب والقوميات المختلفة يشكل العرب فيها أقلية منقسمة على نفسها طائفياً وعشائرياً, ولا يمثلون فيها أي وخدة قائمة أو ممكنة, ولهذا اتسع الشرق الأوسط ليشمل الأفغان والباكستان والترك والفرس والكرد والعرب والاسرائيليين ولا يمتد إلى الأقطار العربية في أفريقيا, إلا بما ينفي العروبة ويلغي وجودها حين يعبر عن الوطن العربي بمفهومين متلازمين هما: الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
إذاَ, صيغ مفهوم الشرق الأوسط ليكون بديلاً للعروبة وطمساً لوجودها في الجغرافيا السياسية, ثم استخدم لهذا الهدف في كل الاستراتيجيات السياسية للقوى الاستعمارية الغربية, في عقود القرن العشرين, وأصبح استراتيجية ثابتة للصهيونية وكيانها الاستيطاني في فلسطين المحتلة, وللسياسات الامريكية في المنطقة العربية لذات الهدف الذي حدد له ابتداءً لنفي العروبة وإلغاء وجودها في أرض وشعب, ومحاربة فكرتها كقومية وحركة وحدوية, لأسباب وأهداف الهيمنة الاستعمارية ودمج الكيان الصهيوني الدخيل والغريب على الوجود العربي بين هويات متناثرة على ما يسمى الشرق الأوسط.
حمل مفهوم الشرق الأوسط في مساره التاريخي تغيرات وتطورات أبقت على جوهره النافي للهوية العربية واللاغي لوجودها ووحدتها ليستقر في المرحلة الراهنة على صيغة منحوتة أمريكياً ومحددة عملياً في مفهوم “الشرق الأوسط الجديد” والذي يتجاوز التجزئة القديمة للأمة العربية في دول قطرية رسمتها على الجغرافيا اتفاقية سايكس بيكو إلى تجزئة جديدة على أساس طائفي وعشائري يستبدل العروبة بهويات الطوائف والعشائر والمناطق الجغرافية, في محاولة أخيرة ونهائية للقضاء على الهوية العربية ونفي وجودها التاريخي على الجغرافيا السياسية للوطن والأمة, وللفكرة القومية وطموحها الوحدوي المعاصر فهل تموت العروبة أم تولد من جديد؟!