“دار الحجر”… قصر تاريخي طالته الحرب والإهمال

يمن بوست/ تقارير 

صنعاء – عابد عمر 

يقف بشموخ على صخرة جرانيتية يبلغ ارتفاعها 35 مترًا عن سطح الأرض، وتحيط به المزارع والأشجار الوارفة من كل الجوانب، يقصده الزوار في كل حين بغرض التعرف على مكانته التاريخية وبنائه المعماري الفني البديع والمتفرد بتصميمه الهندسي المتقن.

إنه قصر “دار الحجر”؛ ذلك المعلم التاريخي الحضاري والسياحي الذي يقع في منطقة وادي ظهر (15كم شمال غرب العاصمة صنعاء).
يعرف هذا القصر حاليًا باسم “دار الحجر” نسبة إلى الصخرة التي شُيد عليها.

وقديمًا، كان يطلق على دار الحجر “قصر ظهر”، الذي ورد ذكره في النقوش اليمنية القديمة، بخاصة نقش النصر، مقترنًا بمدينة ظهر التي يرجع تاريخ بنائها وبناء قصر ظهر (دار الحجر) إلى ما قبل القرن السابع قبل الميلاد، كما يقول لـ”المشاهد” الدكتور محمد العروسي، أستاذ التاريخ بجامعة صنعاء، لافتًا إلى أنه في بداية العصر الإسلامي ذكر المؤرخ أبو محمد الحسن بن أحمد الهمداني، أن قصر وحصن ظهر من المعاقل المشهورة في اليمن.

وأوضح العروسي، أن قصر الحجر ذُكر في العديد من المصادر التاريخية الأخرى، منها معجم البلدان لياقوت الحموي، وغيره. ويرجع تاريخ البناء الحالي له إلى القرن العشرين الميلادي، في سنة 1932، حين قام الإمام يحيى حميد الدين بإضافة المبنى الخارجي في الجزء الجنوبي الغربي من القصر، وكان يستقبل ضيوفه وكبار رجالات الدولة فيه.

مكونات القصر

ويتألف هذا المبنى من مفرج وغرفة البرزة يفتحان على فناء مكشوف مستطيل الشكل، رُصفت أرضيته بأحجار سوداء مشذبة، تتوسط الفناء نافورة دائرية، ويتميز الفناء بإطلالة جميلة على البساتين المحيطة بالقصر في الجهة الغربية.

كما يتكون قصر الحجر من 8 طوابق بسقوف مسطحة، وتزينها من الخارج أشرطة وأحزمة من الزخارف الهندسية المتنوعة، وتدور حول أسطح بناء القصر بوائك من عقود نصف دائرية مفتوحة، بحسب الدكتور العروسي.

ويضيف العروسي: “من الداخل يشتمل دار الحجر على غرف ومجالس شتوية وصيفية، بعضها مخصصة للرجال، وبعضها للنساء، كم يشتمل القصر على عدد من المخازن والمطابخ والحمامات، ويوجد في داخل القصر كذلك آبار ومدافن للحبوب منحوتة في الصخر، ومقابر صخرية، وجميعها تعود إلى عصور ما قبل الإسلام، بالإضافة إلى ملحقات القصر التي أضيفت في فترة حكم الإمام يحيى حميد الدين، منها مبنى خارجي خُصص لإقامة حراس القصر.

تراجع في أعداد الزوار

تراجع عدد الزوار لدار الحجر، لاسيما السياح الأجانب، منذ عام 2011، نتيجة الاضطرابات السياسية والأمنية التي عاشتها البلاد، حسبما قال غانم جباري، مرشد سياحي في الدار، لـ”المشاهد”، مضيفًا أن السياح الأجانب انقطعت زيارتهم للدار بعد دخول الحوثيين صنعاء في 2014، وصارت الزيارات مقتصرة على اليمنيين فحسب من صنعاء وباقي المحافظات، إذ لم يعد يستقبل تلك الأعداد الكبيرة من الزوار التي كانت تصل إلى المئات يوميًا.

وأشار جباري إلى أن عدد الزوار للدار في الوقت الراهن يتراوح بين 30 و60 زائرًا يوميًا، وترتفع أعدادهم في يوم الجمعة ما بين 100 و150 زائرًا.

ويمثل قصر دار الحجر مصدر دخل ليس للعاملين فيه وحسب، بل أيضًا لبائعين الماء والمناديل والفل والريحان والمجسمات التمثالية للقصر التي يشتريها الزوار منهم، كما يقول لـ”المشاهد” الأربعيني محمد الخالدي، الذي أبدى تأسفه من الانخفاض الشديد لزوار القصر، كونه كان يعتمد في جني المال من خلال بيع المجسمات المصغرة لدار الحجر المصنوعة من مادة “الجص” للسياح، خصوصًا الأجانب.

ويضيف الخالدي: “كان قصر الحجر يكتظ بالزوار اليمنيين والأجانب، وكنا نعمل على مدار اليوم دون انقطاع، لكن الحرب حرمتنا هذا الشيء، ونتمنى أن تتوقف الحرب، وتعود تلك الأيام، حتى نستعيد ما فقدناه خلال هذه المحنة”.

التقاط الصور للعرسان

يتفق هيثم الخرباش، بائع الفل والريحان، مع ما طرحه الخالدي، غير أن الخرباش لايزال يحافظ على مكانته في بيع الفل والريحان أمام قصر دار الحجر، إذ يقول لـ “المشاهد”، إن توافد العرسان في يوم زفافهم إلى دار الحجر منذ الصباح الباكر وحتى الظهيرة يوميًا، مع أصدقائهم، للتنزه والتقاط الصور الجماعية، يجعلهم يقبلون على شراء الفل والأطواق المطرزة بالفل والرياحين والورود، لتزيين وتقليد العراسان بها، وهو ما مكنه من الاستمرار هناك، رغم انخفاض الإقبال على شراء الفل والريحان مقارنة مع السابق، بسبب الحرب والأوضاع المعيشية الصعبة التي صار يعاني منها اليمنيون، وعدم قدرتهم على زيارة دار الحجر.

الحرب طالت تاريخ المكان

وتعرض دار الحجر للإهمال، ولم يعد يلقى ذلك الاهتمام بسبب الحرب التي انعكست سلبًا على القطاع السياحي، وكذا انقطاع رواتب الموظفين، فضلًا عن تأثره بالغارات الجوية لطائرات التحالف التي كانت تقصف في مناطق قريبة منه، فتضررت أبواب ونوافذ دار الحجر، وأحدثت تشققات في جدرانه، حسبما أفاد المرشد السياحي جباري، الذي أكد أنه منذ تعرض الدار للقصف في 2017، لم يتم ترميم وإصلاح الأضرار التي لحقت به، رغم نزول لجنة من الهيئة العامة للآثار والمتاحف بصنعاء، للاطلاع على حجم الأضرار، ورفع تقرير بذلك، غير أن مسؤولي الهيئة يبررون عدم الترميم بعدم توفر الميزانية الكافية لعمل ذلك.

المصدر/ المشاهد نت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *