ملف الأسرى والمعتقلين في اليمن بين الوعود الدولية والجهود المحليين

يمن بوست/ مقالات 

كتب/ ليلى الثور 

يتطلع الجميع من المواطنين وأهالي الأسرى والمعتقلين في اليمن نحو ما يدور في أروقة مجلس الأمن مؤخراً حيث قدم المبعوث الأممي أحاطته منوهاً بأن المباحثات التي بدأت في عمان-الأردن الشهر الماضي بشأن تبادل الأسرى لاتزال مستمرة. ولكن بالنسبة لنا نحن اليمنيين فإن هذا التنويه لا يكفي. لأنه بالرغم من النجاح الذي حققه المبعوث في أكتوبر الماضي بإطلاق سراح اكثر من الف سجين ومعتقل، إلا أن فداحة الأمر تستعدي اهتمام اكثر مما يحدث الآن.

فقد شكلت قضيتي أسرى الحرب والمعتقلين من السياسيين و المدنيين من أهم الملفات الإنسانية في اليمن. فنتيجة للصراع المسلح امتلأت السجون بالآلاف من الأسرى والمعتقلين المدنيين. ويساهم فتح المزيد من الجبهات و ارتفاع مستوى القتال في مأرب حالياً في مفاقمة هذا الملف وتهديد حياة فوق خمسمائة سجين في مأرب حالياً بالإضافة إلى كون هذه الاشتباكات تهدد نجاح المباحثات الحالية المتعلقة بملف الاسرى في عمان. كما رصد تقرير لرابطة أمهات المختطفين عن المعتقلين في سجن الصالح اللذين تم ربطهم بكشوفات الاسرى في تعز عن وفاة سبعة مختطفين بسبب التعذيب والإهمال الصحي من ضمن 956 مختطفاً مدنياً بينهم 60 طفلاً.

في عام 2015 كانت الشرعية قدمت كشوفات قوائم بـ 8 آلاف و567 اسماً مقابل 7 آلاف أسير من جماعة أنصار الله (الحوثيين)، والذين عملت الأطراف على ربط مصيرهما ببعض لسنوات بالرغم من الفارق الواضح بين مسألة مقاتل تم أسره في جبهات القتال وبين مدني تم اعتقاله خارج إطار القانون تحت مبررات سياسية و أمنية. وفي كلتا الحالتين فإن اليمنيين يقبعون في السجون المختلفة متعرضين للانتهاكات والاخفاء و التعذيب بما في ذلك العنف الجنسي. ومؤخراً يواجهون خطر الموت المحتم داخل المعتقلات نتيجة انتشار كوفيد19، تحت تكتيم تام على الأعداد الحقيقية لهم وأماكن احتجازهم، التي تنعدم فيها أي من المعايير الانسانية. بالرغم من ظهور معلومات عن حالات في السجن المركزي في مدن إب وصنعاء وتعز في العام 2020بحسب المعلومات الواردة إلينا من شركائنا في تلك المحافظات.

الفرق بين الوساطات الدولية والمحلية

يكمن عدم نجاح مباحثات إتمام تبادلات الاسرى في وجود قصور في اليات ومحتوى المباحثات في كل عملية وساطة التي تتم نتيجة للاكتفاء بتبادل كشوفات وأسماء محددة من كل طرف دون الدخول الى عمق أسباب الخلاف وأسباب عدم السرعة في التنفيذ، ففي مسودة وقف إطلاق النار التي تسمى بالإعلان المشترك التي نشرت في يوليو الماضي، لم تعالج قضية الأسرى والمعتقلين بل تم الإشارة إليها تحت إطار اتفاق ستوكهولم العالق في التنفيذ.

وقد افتقدت الآلية الإجراءات الواقعية و الضمانات التي ستلزم الأطراف على التنفيذ. وكانت من أهم الأخطاء التي قام بها مكتب المبعوث منذ البداية هو تحويل الملف إلى ملف إقليمي-دولي وإصراره على العمل منفرداً في إدارة هذا الملف بمعزل عن أطراف ووسطاء يمنيين مؤثرين لم يشاركوا في الصراع مثل منظمات المجتمع المدني والنساء القياديات العاملات في هذا المجال سواء كوسيطات سلام أو في مجال معالجة آثار الحرب وأعمال الإغاثة.

فقد نجحت الوساطات المحلية البعيدة عن الوساطات الدولية من تحقيق نجاحات مبهرة حتى الآن وأصبح الوسطاء المحليين وبينهم النساء هم اللاعبين الأساسيين في حلحلة هذا الملف الإنساني. ونجحت الوساطات المحلية والتي اشتركت أنا شخصياً في قيادة بعضها منذ بداية الصراع، في إتمام كافة التبادلات وقمنا بإطلاق سراح الاف الأسرى من كافة الأطراف منذ 2015.

ففي 17 ديسمبر 2015، استطعت شخصياً إنجاز أول عملية تبادل للأسرى في اليمن كخطوة أولى لإتمام تبادل شامل بين سلطة الأمر الواقع في صنعاء والمقاومة الجنوبية. واستطعت أن احقق تبادل 480 أسير كدفعة أولى من أصل 560 أسير.

ولإتمام هذه الصفقة سبقتها خطوات هامة، فقد قمت بإعداد كشوفات الاسرى و بتجميعهم من مختلف المعتقلات والسجون لدى الاطراف، والتحقق من معلوماتهم من ضمن كشوفات تضم أكثر من 6000 أسير لدى الطرفين من الرجال والأطفال بعضهم تتراوح أعمارهم ما بين 13 إلى 18 عاما في مفاوضات قمت بها لأكثر من 7 أشهر.

ايماني بالقضية التي دخلتها طوعا من جانب انساني ( كأم) في بداية الامر حفزني على تجاوز كافة العقبات خلال التفاوض مستعينة بكل قدراتي و امكانياتي وتسخير كل علاقاتي الاجتماعية و السياسية لدعم هذه العملية.

لم يكن الامر سهلا بل واجهتني الكثير من الصعوبات نتيجة تعقد الواقع ذاته في ذلك الحين كقضية جديدة ظهرت نتيجة الصراع. مثل تعدد أطراف الصراع واستمرار الاقتتال مما أدي إلى ارتفاع مستمر في أعداد الأسرى في ظل تكتيم الأطراف حتى الآن بشأن الأعداد الحقيقية وتقسيمهم ما بين أسرى ظاهرين ومخفيين.

كما واجهتني الكثير من التحديات، بعضها كانت موجهة لي كامرأة برزت في عمل كان مقتصراً على الذكور. والتي وصلت الى التهديدات بالتصفية الجسدية نتيجة محاولات من قبل شخصيات متنفذة تارة لإيقاف عملية التبادل و تارة أخرى يوم إتمام التبادل بعد ان استكملنا كافة الخطوات بهدف السيطرة علية ونسبة لأنفسهم كما هو الحال في كثير من الحالات التي تتعرض لها نجاحاتنا كنساء في العديد من المجالات الا انني لم اتوقف فقد كان التفاف الاسرى وعائلاتهم حولي و لجوئهم الي من مختلف المحافظات حتى الان حافزا اكبر بالنسبة لي حتى اطلق علي الجميع منذ ذلك الحين اسم (ام الاسرى).

فلم تقف التحديات اللوجستية الكبيرة التي واجهتني لإتمام التبادل رغم الخذلان التام من المنظمات الدولية منها مكاتب الأمم المتحدة في اليمن مثل اليونيسف وأيضا الصليب الأحمر الذين لجأت إليهم لمساندتي لإتمام الوساطة عائقا في طريقي بل زادتني إصرارا على النجاح و سخرت كل امكانياتي الذاتية لتشكيل الفرق الميدانية للنزول للمعتقلات لدى الأطراف و التي كنت انا في مقدمتهم لاخوض بذلك تجربة تخللتها العديد من الاحداث التي لا يمكن نسيانها و و أيضا الكثير من العقبات التي تمكنت من وضع الحلول الناجعة لحلها جميعا لأتمكن من إتمام اول تبادل للأسرى في اليمن ,بل وحتى بعد إتمام التبادل عملت على توفير العلاجات و تقديم الدعم اللازم بحسب مقدرتي الخاصة للعديد من الاسرى لإعادة دمجهم في المجتمع في الوقت الذي اكتفت فيه المنظمات الدولية بالبحث عن الأسماء و الكشوفات بعد التبادل .

دروس مستفادة

من أهم ما تعلمته في تجاربي في تبادلات الاسرى و الافراج عن المعتقلين و بناء السلام هي أنه عند القيام باي عمل مهما كانت صعوبته لا يهم ان كنت ذكرا او انثى بل الأهم ان تؤمن به كقضية جوهرية مصيرية تقاتل من اجل تذليل كافة العقبات لحلها و ان تكون على دراية بكل جوانبها وأن تكون انت وسط الحدث وجزء منه لتكسر كل الحواجز التي تواجهك و ان تؤمن بان لا وجود للمستحيل. و هذا هو الفرق بيننا كوسطاء محليين نعمل بشكل طوعي وبين من يتخذون هذا الملف كوظيفة يتقاضون الأجور عليها، ففي قضايا الصراعات و منها الاسرى فانه يجب إشراك المجتمع اليمني والقيادات الاجتماعية المحلية من ذوي الخبرة و القبول لدى اطراف الصراع بل و يجب عدم حصر المباحثات بين الأطراف التي تحمل السلاح فقط لان ذلك لا يزيد الامر الا تعقيدا ,إن الوصول الى نتائج ملموسة على أرض الواقع في قضية الأسرى والمعتقلين يقتضي بأن يعمل المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومكتب المبعوث الاممي بشكل تكاملي مع صانعي\ات السلام من اليمنيين وبالذات النساء الفاعلات والمؤثرات.

لأن هؤلاء النساء تمكن من صناعة تغيير واضح في دور المرأة داخل المجتمع اليمني المحافظ، ولأن المجتمع اليمني بما فيه أطراف الصراع أكثر ثقة واحتراماً للمرأة الوسيطة لأنهم يطمئنون إلى رغبتها في الوصول الى حل عادل بعيداً عن المصالح السياسية والشخصية. و أخيراً، وبدرجة رئيسية بناء على إلزامية إشراك النساء في كافة مراحل عملية السلام وما بعده وفقاً لقرار مجلس الأمن 1325 والقرارات المكملة له. هذا ليس تفضلاً من المجتمع الدولي او اطراف الصراع، بل هذا حق أساسي يرتكز على أساسه احداث التوازن داخل المجتمع.

فقد أثبتت التجربة أن الدور المحلي هو من أهم الأدوار التي يجب التوقف عن إغفاله للوصول إلى السلام في اليمن، وهذا لن يتم دون إشراك النساء الفاعلات بدرجة متساوية وإدماج من لم يكن لهم يد في الحرب لكي يساهموا بشكل فاعل في الوصول إلى تحقيق عوامل بناء الثقة ووقف الحرب. و عليه نكرر بانه يجب على المجتمع الدولي ان يتوقف عن العمل بالطريقة المعتادة وان يستمع الينا و الاستفادة من تجاربنا لأننا قد اثبتنا نجاحات تفوق ما قام به الوسطاء الدوليين ولأن اليمن بالنسبة لنا هي الوطن ولن نهدأ حتى يستكين.

*ترجمة مقال ليلى لطف الثور الذي نشر في معهد الشرق الأوسط،  الرابط للمقال بالانجليزية:

* ليلى لطف الثور هي الأمين العام المساعد ورئيسة المكتب السياسي والعلاقات لحزب الأمل العربي. هي كذلك رئيسة مبادرة سام وناشطة سياسية حقوقية و في مجالات بناء السلام خبيرة في التفاوض وحل النزاعات المسلحة، وعضوة في شبكة التضامن النسوي وحاصلة على زمالة مبادرة مسار السلام للقيادة النسوية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *